لستُ ، بالمطلق ، أتفق مع جمهور المسجحين كما طائرات الورق ، من الذاهبين بعيداً مذهباً في النقد الاجتماعي الحرون الإفصاح ، والذي أقل ما توصف خلاصة بعينها فيه .. ستأتي هنا تالياً ، بأن مروجيها أو مطلقيها مصابون بعمى الألوان إذ تفتقر ولو إلى مستوى ضعيف من حصافة الرأي ورجحان العقل ، مع أن زميلاً نابهاً قال في أحد سادتها النُّجب بأنه ( أحول ) النظر والنظرة أيضاً ، وهو أحد القائلين بغياب ( أنموذج أمينة ) ، عن مسرح العلاقات الأسرية في بلدنا الطيب بخاصة وفي المجتمع العربي بإجمال ..
أما أمينة هذه .. لمن لا يعرفها ، أو للذي نسيها لغرض يعقوبيٍّ مأزوم ، أو ربما ما عاد يذكرها لمسوغ مجتمعي مهزوم ، هي حرم ( السيد عبد الجواد ) أو ( سي السيد ) ، وهو النموذج الصارخ للزوج / الفحل / الباطش بكل تجليات سمو الوشيجة الزوجية ، الضارب بعرض الحائط بكل تلاوين الرعاية الإلهية لحق الزوجة والحياة الزوجية ، وهو ما تحرص على بهاءات التقيد به الديانتان الإسلامية والمسيحية في آن معاً ، ونعني بطل ثلاثية شيخ الرواية العربية الراحل (نجيب محفوظ) رحمه الله : ( السكرية ) و ( قصر الشوق ) و ( بين القصرين ) ..
مناسبة ما أنفت ، ها .. هُنا ، هو أن اللقطات التي عرضتها إحدى محطات التلفزة العربية ، لنساء تعرضن لعنف على أيدي أزواجهن ، لهو توكيد على حضور نموذجيِّ (أمينة) و(سي السيد) وبشكل صارخ في الوطن العربي ، ذلك أن النموذجين مترابطان لا غنى لأحدهما عن الآخر ، وذلك بغرض وضع خاتمة لتمام المشهد الرجعي البائس ، وأعني به ضرب الأزواج لزوجاتهم أو المفصل الصارخ ، فيما يمكن تسميته بمنقصة العنف الأسري ، بمعنى أنه إذا كان لا بد من أمينة الثلاثية آنفاً ، باستكانتها حدّ الإذلال والعبودية ، وسلبيتها حد التماهي والتهميش والتشييء بإطلاق ، فإنه لا بد ، إذن ، من (سي السيد) من حيث هو ، وعبر الثلاثية ، السيد الأوحد لكمال تلكم المشهدية البغيضة ..
ما أدور حوله .. قبلُ ، هو أن شِرعة الأقوياء تقضي بأنه لا يمكن تشكيل مجتمعهم المتخلف بامتياز ، وأنا أعني هنا مباشرة مجتمع (الذئاب) بدون وجود (النعاج) ، بمعنى أنه لولا أمينة / النعجة لما كان سي السيد / الذئب ، إذ في مجتمع البطش لابد من باطش ومبطوش ، وبالتالي ظالم ومظلوم ، فهل حقاً هي شريعة الغاب ، عبر أذرع العنف الأسري ، وفي هذا القرن الحادي والعشرين ؟، كيف ونحن نريد مجتمع المودة والرحمة والتكافل ؟، وبتطبيق تشريعاته نريد أمينة : الزوجة / الأم / السيدة ، التي ترعى البيت والزوج والولد والمجتمع بالتالي ؟!
أجل .. نريد أمينة العنصر الذي لا بد منه في مُركّب الأسرة المثالي ..
نريد أمينة شقيقة الرجال ، التي تقدم لنا الابن / الجندي والابنة / المعلمة والرجل العظيم ..
نريد أمينة ربة البيت وسيدة العائلة الحرة ..
نريد أمينة الأم / المدرسة التي تعدّ للوطن ، نواة الشعب الطيب الأعراق ..
أما أمينة / النعجة في زمن العلم ، والاتصال ، والشمس ، والحرية ، وحقوق الإنسان ، فنموذج مرفوض يحب علينا جميعاً ، العمل على تحريره من ربق العبودية ، ومن صفود الذل ، ومن قيود سي السيد / الذئب ، هذا التمثال الذي لم تعد أمينة تحتمل غطرسته ، وأنويته ، وذئبيته ، والذي كان يجب أن ينقرض مع (هُبل) و(العُزّى) وكل ما كان قابلاً للانقراض ، شأن عصر الحريم ، والوأد ، وتجارة الرقيق ، وما كان من شأن الجاهلية الأولى ..
وبعد .. فإن التقدم على صعيد حماية الأسرة ، ومحاربة ظاهرة العنف الأسري في المجتمع الأردني ، هو بعض ما تقوم به مديرية الأمن العام ، بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني في القطاعين العام والخاص ، وعليه ..
فلنلب النداء .. إذن ، في رفع الضيم عن شقائق الرجال ، اللاتي قال في شأنهن رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام : ( ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ) ، و ليكن كل منا .. ختاماً ، (معتصماً) ينقذ أي (أمينة) تستغيث به ، كي يخلصها من براثن أي (سيد هامل ) ، هو في الغالب مريض منفصم ، لا يرى في الزوجة إلا ما يراه الذئب في الفريسة ..!