حان الوقت الذي يجب فيه أن نغير الطريقة التي ندافع فيها عن البرلمان وطريقة نقده ايضا ، فلقد استهلكنا عمر نحو خمسة مجالس نيابية ونحن نمارس لعبة الدوران حول الأشخاص وطموحاتهم ومصالحهم، ولم نطور رؤية وطنية جادة وناقدة لتقييم أداء البرلمان على أساس البرامج والعمل المنهجي، المرة الوحيدة التي بدأ المجلس فيها يقترب من أبجديات العمل البرامجي الذي يشتغل على السياسات أكثر من المناكفات وعلى البرامج أكثر من الارتجال والبحث عن الشعبية الزائفة تتمثل في أداء المبادرة النيابية التي تتعرض اليوم لمحاولة اغتيال ممنهج.
اداء المبادرة النيابية قلب المعادلة التقليدية في اداء المجلس حينما نقل العمل النيابي من متلق سلبي لسياسات وبرامج تتداخل فيها الارادات والمصالح الى عمل نيابي مبادر قادر على اقتراح السياسات وتطوير رؤى تنموية وطنية يحشد خلفها جيوش من الخبراء؛ أي اوسع قاعدة مشاركة فعلية، هكذا تعمل البرلمانات العريقة التي تحترم نفسها، وهكذا تساس مصالح الشعوب، هذا الأداء هو ما استفز قوى ومراكز تريد ان يبقى البرلمان مجرد جزء من الديكور الوطني لا اكثر يتلقى التوجيهات ويدير المناكفات اكثر من أنْ يمثل ضمائر الناس وحاجاتهم.
عملت التحولات الاقتصادية وأزمات التحديث السياسي على إعادة إنتاج نمط من العشائرية كنزعة سياسية اجتماعية تختلف عن العشيرة التي عرفها اجدادنا الذين ساهموا في تأسيس الدولة وتشكيل المجتمع، تلك العشيرة التي يتراجع دورها كبنية اجتماعية، تعرضت لاكبر هجوم من اؤلئك الذين يدعون الدفاع عنها.
تم ذلك من خلال عملية تصنيع سياسي وظفت من قبل العشائرية السياسية في مواجهة أزمة المشاركة التي اصبحت استحقاقا وطنيا، ووظفت هذه الصيغة في مواجهة ضعف ادوات الدولة في تنمية مشاركة مدنية ايجابية تقوم على التعدد والتنوع وهي التي رتبت على مدى عقدين التحالفات التي اهدرت حق البلاد في تنمية عادلة، وفي ضوء ضعف استجابة التحديث السياسي لهذا المنطق كان من السهل تسييس الجماعات المرجعية الأولية حيث شكلت الانتخابات والبرلمانات منذ عقدين ساحة واسعة لعملية تصنيع ممنهج بدأ المجتمع الأردني يدفع ثمنه بشكل مباشر وواضح منذ خمس سنوات على شكل تراجع كفاءة الدولة واخيرا تراجع كفاءة المجتمع عبر موجات العنف والفساد الصغير.
علينا ان نعترف ان العشيرة ظلمت مرتين؛ مرة حينما تحولت الى مجرد صندوق للانتخابات ونزعت عنها المكانة الاجتماعية لأنها في المحصلة اصبحت جزءا من اللعبة السياسية، المرة الثانية ندركها حينما نحلل في العمق موازين القوى في المجتمع الأردني ونجد أن لا قوى حقيقية للعشائر بل هناك عائلات سياسية تلعب بأعصاب الدولة والمجتمع باسم العشيرة او بسطوة المال.
ندافع مرة أخرى عن البرلمان لأنه كما كان الساحة التي تمت فيها عملية التصنيع وتشويه المكانة الاجتماعية للعشيرة، هو المكان المناسب اليوم الذي يجب أن تحسم فيه هذه المسألة. وما يدعو للتفاؤل ان ثمة كتلة وطنية تتشكل ببطء تعيد تعريف الوطنية من جديد وتؤمن بالدولة وبالديمقراطية كأداة لقوة المجتمع والدولة معا.
لا يمكن بأي حال أن يقبل بأن يتحول البرلمان إلى مكان لمصادرة الآراء السياسية والفكرية والاجتماعية، فإذا ما تحول البرلمان الى رقيب على آراء السياسيين فماذا سيفعل بالناس؟
(الغد)