اغلب المحطات الاذاعية والتلفزيونية ان لم تكن جميعها تستهل الصباح بباقة من اغاني فيروز طبعا بعد ما تيسّر من القرآن الكريم، وكذلك معظم المواطنين العرب إن لم يكن كلهم، وصارت فيروز قهوة الصباح وانتجت شركات الكاسيت البومات تحمل اسم فيروزيات وثمة اجماع على ان فيروز هي سيدة الصُبح بلا منازع، لكن لم يسأل احد فيروز عن صباحاتها وماذا تسمع عندما تستيقظ من نومها؟
هل تدندن بعض اغانيها؟ هل تسمع الاذاعات التي تضع اغانيها ام تسمع لمطرب او مطربة اخرى؟ ذات دعوة من صديق كان يملك مطعما، تفاجأنا نحن المدعوين ان الدعوة في مطعم اخر غير الذي يمتلكه صاحبنا وحين سألناه السبب اجاب بخفة دمه المعهودة «انا مجنون اكل فيه» فهل فيروز هكذا ام انها تحتفظ بسرّها الصباحي لنفسها ولن تفصح عنه لاسباب فنية وسياسية؟
كُل من سألتهم السؤال عنوان الزاوية اجابني عدم معرفته رغم انه ممن يحافظون على طقس فيروز الصباحي, وجميعهم مدح السؤال بل ان صديقا مثقفا قال انه سؤال وجودي مثل اسئلة جان بول سارتر، لكنه ورغم متابعته لكل لقاءات فيروز القليلة لم يسمعها تتحدث عن صباحاتها ولم يسألها احد عن هذه التفصيلة.
السؤال ليس المقصود به فيروز وصباحها، فيكفي انها منحتنا صباحا جميلا وكانت صادقة فيما تقول اغانيها وحواراتها، ولكن المقصود منه هو تمرين اذهاننا على اسئلة باتت تحاصر وجودنا، ولم نتكلف عناء الاجابة عن السؤال – هذا ان تكلفنا عناء طرحه اساسا – فكل المحيط الثقافي والسياسي يهاجم امريكا وينعتها بكل الصفات السيئة ومع ذلك فكل اولادهم درسوا هناك بمن فيهم ابناء المقاومين الشرسين وقادة الفصائل المقاتلة التي تصف امريكا برأس الحية.
كل قادة حركات الاسلام السياسي يكيلون الشتائم لامريكا والغرب ومع ذلك فهم مقيمون في الغرب ومكاتبهم الدولية موجودة هناك، بل ان حركاتهم انطلقت منها، ابتداءً من ثورة الكاسيت التي قادها الخميني المُقيم في باريس وقتها وانتهاءً بكل قادة جماعة القاعدة وجماعة الاخوان الدولية من راشد الغنوشي الى البيانوني وغيرهم الكثير، ولا احد سألهم عن هذا التواجد رغم العداء المُعلن وكيف تستقيم الإقامة مع العداء؟.
كثيرون يكيلون الشتائم للكيان الصهيوني ورجالاته في المنطقة ثم يهرعون الى مستشفياته للعلاج ولا يُمانع كثيرون من اعداء التطبيع من العمل مع مؤسسات على علاقة بالكيان الصهيوني وتتلقى الدعم من مؤسسات غربية وهناك الكثير من الدراسات والتحقيقات الصحفية ممولة من مراكز غربية تموّل العرب والصهاينة في نفس الوقت، ومع ذلك يهدرون بالقومية والممانعة والمعارضة.
معارضون اشاوس يقبلون المشاركة في الحكومات من اول غمزة عين، وينسون كل ما سبق من تصريحاتهم وكل ما سبق من الاغاني الصباحية التي كانوا يتحفوننا بها على شكل تصريحات تميل لها الرؤوس وترقص على ايقاعاتها القلوب ويصرّون على انهم منحازون لأفكارهم ولن يتراجعوا عن مواقفهم السابقة.
سؤال ماذا تسمع فيروز في الصبح سؤال اشكالي القصد منه اثارة جملة من الاسئلة عن الاقوال والافعال، فإذا كانت فيروز لا تستمع الى نفسها صباحا فالأولى بنا ان نسمع ما تسمعه سيدة صباحاتنا، واذا كان السياسي المبجل الذي يدين دولة ثم يأمنها على اولاده تعليما وثقافة فلماذا نصدقه ونركض خلفه وخلف حزبه او جماعته؟ علينا فقط ان نراجع السلوك مع القول وان نختبره في مختبر الواقع الوطني وليس في الفضاء اللفظي فقد كَثُر الغث وصارت الامور سائبة بدرجة مقلقة احتار معها الناس الذين يصدقون ما يسمعون؟
(الدستور)