قد يخرج إطار كيري للحل في نيسان كما هو مخطط له، لكن التوقيع عليه قد يتعثر طويلا أو لا يقع ابدا، ومع ذلك ثمة خطورة كبيرة في ظهور الاقتراح رسميا لأنه يصبح وثيقة مرجعية تجبّ ما قبلها من مقترحات رسمية او غير رسمية احتوت على شروط أفضل للحل، ومع ذلك لم ترقَ لطموحات الفلسطينيين ولم تنل موافقتهم، والخشية ان يتم تحميل الفلسطينيين مسؤولية الرفض وبقائهم معزولين، وحصول الاحتلال الاسرائيلي على الغطاء الشرعي للبطش بهم، وهو ما حصل عام 2000 في أواخر عهد بيل كلينتون الذي حجز الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي برئاسة عرفات وباراك في كامب ديفيد لأسبوعين، ثم خرج محمّلا عرفات مسؤولية الفشل بسبب امتناعه عن الموافقة على المقترحات المقدمة، وهي على الأرجح أفضل مما سيأتي به إطار كيري للحل.
التسريبات حتى الآن لا توضح كثيرا في التفاصيل، وقد يأتي الإطار بالفعل غامضا في التفاصيل تاركا إياها للمفاوضات اللاحقة، لكنه سوف يؤسس لبعض المسلمات وفي مقدمتها تنحية قضية اللاجئين وإدخال قضية يهودية الدولة الاسرائيلية وتثبيت مبدأ مراعاة التغييرات الديمغرافية التي حصلت خلال عقود – اي الكتل الاستيطانية عند التفاوض على حدود العام 67، والوصاية الأمنية التي ستسلب السيادة الفلسطينية الى أمد غير محدد، إذ ترتهن إلى رضى اسرائيل عن السيطرة الأمنية الفلسطينية.
وبهذا المعنى قد تمتد سيطرة اسرائيل على غور الأردن الغربي إلى ما لا نهاية، وما نعلمه حتى الآن أن الاسرائيليين يرفضون مقترح القوات الدولية أو المشتركة ويصرون على بقاء القوات الاسرائيلية إلى جانب الرقابة على المعابر والأجواء.
وبالنسبة للقدس فهناك حديث غامض عن عاصمة فلسطينية "في القدس". مع ذلك فالمقترحات غير المقبولة فلسطينيا تواجه أيضا بمعارضة اسرائيلية وسخط من اليمين المتطرف.
لكن الاسرائيليين قد يديرون بمهارة لعبة ترك الرفض للفلسطينيين، وستجد القيادة الفلسطينية نفسها في وضع حرج للغاية بين ضغوط الرأي العام والقوى السياسية الفلسطينية الرافضة، وضغوط الإدارة الأميركية التي تمول مع الأوروبيين بقاء السلطة الفلسطينية نفسها. وكل هذا مع فقدان الشأن الفلسطيني مركزيته في بيئة إقليمية ودولية مشدودة لنزاعات ساخنة أخرى، وقد تصبح السلطة الفلسطينية قيد الانهيار تحت هذه الضغوط المتعارضة وعجزها عن اتخاذ موقف.
فكرة الإطار العام للحل تبدو مغرية لأول وهلة، اذ تضع المبادئ وتفتح الباب للتفاوض على التفاصيل، لكنها قد تكون شركا للفلسطينيين، اذ تصنع الاتفاق شكلا بكل ما ينطوي عليه من تنازلات دون الحصول على شيء حقيقي في الواقع غير ما هو قائم الآن. ومن المؤكد أن الشيء الأفضل هو أن لا تقدم خطة كيري رسميا إلا بعد ان يكون الفلسطينيون قد اطلعوا عليها ورضوا عنها، وإلا أن لا تخرج. وبالطبع سيكون من حق الاسرائيليين الشيء نفسه.
وهذا يعني أن الخطة لن تخرج إلى النور لأن كل جانب يريد شيئا مختلفا كليا، وعليه يصبح الأفضل هو تجاوز فكرة الإطار ورعاية مفاوضات مفصلة حول الحل النهائي والناجز بكل تفاصيله. وهي بالطبع رحلة مفتوحة لأمد غير محدد لكنها تجنب الفلسطينيين راهنا المأزق والمواجهة الداخلية والضغوط الخارجية ... بانتظار أوقات أفضل.
(الغد)