إشعال الشرق قنص لفلسطين وقضيتها
د.حسام العتوم
13-02-2014 02:17 PM
في وسط علوم السياسة والاتصال والعسكرتاريا واللوجستيا تعيش نظرية المؤامرة، فعندما اندلع الربيع العربي المعاصر عام 2011 قصد الظلم والفساد والاستبداد وغياب العدالة والديكتاتورية وتزوير الانتخابات والتظاهر بنزاهتها بنفس الوقت والمتاجرة بقضايا الأوطان العربية مترامية الأطراف بين الشرق والغرب لكن دولاً عديدة تدير أقطاب السياسة في الغرب الأمريكي أرادت أن تلعب دور المحامي الفاشل لتصفية عادلة وهامة ذات طابع عالمي مثل القضية الفلسطينية، ودولاً أخرى ترعرعت في كنف الاتحاد السوفييتي الدافئ وبعلاقة مماثلة مع العرب وقضاياهم رغم اعترافه بدولة إسرائيل عبر الأمم المتحدة أولاً، وهذه الدول مثل روسيا إلى جانب صديقاتها مثل إيران والصين التقطت مبكراً إشارات حراك هذه القضية السياسية والتاريخية الهامة ووقفت في خندق المساند الواضح، ويوجد فرق بين التعاطف مع المحتل أو الواقع تحت الاحتلال، وتجاوزت نظرية المؤامرة الدولية هذه الحدود عندما تم استهداف الحراك العربي وتموجه للبحث عن رقعة شطرنج سياسية تناسب مصالحهم في الغرب والشرق تحت مسميات مناهضة الديكتاتورية واحترام الديمقراطية.
في عمق التاريخ المعاصر كان لنا نهضة و ثورة عربية كبرى مجيدة انطلقت من مشارف مكة عام 1916 وقصدت وحدة بلاد الشام والعرب لكنها سرعان ما وجدت نفسها أمام رسائل مكماهون 1916 ووعد بلفور 1917 ومعاهدة سايكس بيكو 1916 التي استهدفت جميعها تمزيق مشروع الوحدة العروبي وخلط أوراق الكفاح والنضال العربي بإدخال الاستعمارين الانجليزي والفرنسي تحت مسمى المساعدة في إنهاء سيطرة الإمبراطورية العثمانية على منطقة العرب بينما هي جحافل اليهودية الملتصقة بالصهيونية وليست الدينية فقط تجر ذيولها تجاه فلسطين العربية وأمام أعينها بهدف التوسع ونشر الاحتلال؛ يقول المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في كتابه المشهور الحركة العربية ص 694/ 695: (إن ما يهمنا هنا هو أن الملك حسين قام بالثورة وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أن الوحدة العربية ستكون من جملة نتائجها، فكيف كان الملك يتصور بناء تلك الوحدة؟ إن الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل أن الملك كان يتصور وحدة الأقطار العربية المتعددة ترتبط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد.
في تدمير العراق وتغيير وجهه السياسي القومي بدلاً من إصلاحه ودمقرطته عام 2003 وتسليمه أمريكياً لنظام محسوب على إيران وجعله فاقداً للسيطرة، وفي فلتان عقال السياسة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا مروراً بالبحرين مؤشر ليس على ربيع عربي أخضر وإنما على حراك أيادي وطواطية خفية تستهدف أيضاً وإلى جانب تمرير المصالح المتضاربة أثارت زوابعاً سياسية في فضاء قضية العرب الأولى ألا وهي الفلسطينية العالقة دون حل مقنع منذ عام 1948 وتمرير قضايا متشعبة فوقها بهدف دحرها إلى عمق قادم الأيام، بينما هي سياسة التهويد وحق العودة لليهود فقط سارية على قدم وساق وتبنى في الليل والنهار وتخترق القانون الدولي والفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة وما تبنى مجلس الأمن في الأمم المتحدة للقرار 448 في آذار 1979 واعتبارها غير قانونية إلا خير شاهد على ما أقول هنا بما في ذلك نشر المستوطنات في هضبة الجولان الإستراتيجية المائية بواقع 45 مستوطنة وأكثر إلى جانب فلسطين الـ1967 بحجم 550 ألف مستوطن إسرائيلي والأعداد في تزايد.
لم يعد أحداً من ساسة العرب الرسميين يتحدث عن نكبة عام 1948 وعن فلسطين التاريخية وعن مشروع تهويدها إلى جانب الاستمرار في تهويد فلسطين الـ 1967 حسب مشروع كيري الإسرائيلي الصهيوني بامتياز المرفوض من الشعوب العربية كافة مسيحيين ومسلمين ومن ساسة العرب ولو من تحت البساط، ففي مقال للشريف الحسين بن علي الملك آنذاك عام 1947، قبل الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى بستة أشهر في المجلة الأمريكية American Magazine وهو ما ورد في كتاب الملك عبد الله الثاني ابن الحسين (فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر ص 31) قال فيه: (يساورني الشعور بأن كثرة من الأمريكيين تعتبر أن المشكلة في فلسطين بعيدة جداً عن أبوابهم، وبأن أمريكا تكاد لا تكون معنية بهذه المشكلة، وبأن همهم الوحيد هو هم المتفرج عند بعد ولكنه معني إنسانياً فقط)، وفي المقابل فإن الهم التاريخ لفلسطين حملته على أكتافها حركات التحرر العربية وحراك صفوف المعارضة وتحولت مع الزمن إلى قناديل تضيء درب المستقبل وتصده من التنازلات، وفي الوقت المعاصر الهم السياسي منكب على إعادة إسرائيل المحتلة بقوة السلاح وليس بقوة الحجة والتاريخ والعقيدة الدينية من جانبها لا سمح الله وقدر إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهو النشاط والحراك السياسي إن جاز التعبير الذي يقوده سيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني هذه الأيام في واشنطن ووجهاً لوجه مع الكونغرس الأمريكي والتركيز الملكي هناك على حقوق الأردن في الحلول النهائية لقضية فلسطين العادلة.
الأردن أكثير دول العرب والشرق تمسكاً بخيار الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ويعتبر بحزم أن بناء دولة للفلسطينيين على حدود الـ67 كاملة السيادة والعاصمة مصلحة أردنية عليا وهي كذلك عند الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق والتاريخ وحق العودة والتعويض، ويجب أن تكون كذلك عند دعاة السلام من الإسرائيليين غير اليمينيين وغير المتطرفين وغير المتمسكين بتفسيرات دينية توراتية حديثة مزورة، وغير مؤمنين بسرابية هيكل سليمان المزعوم وعودة على رسالة مليكنا الراحل الحسين طيب الله ثراه التي وجهها عام 1997 لحكومة رئيس الوزراء عبد السلام المجالي ووردت في كتاب الدكتور مروان المعشر (نهج الاعتدال العربي ص 41) مفادها: بأن المزاعم الإسرائيلية بقيادة دولة فلسطينية يهدد أمن الأردن لا أسا لها ويرفضها باتاً وقطعاً، واعتبرت الرسالة التي يسير الأردن على دربها الآن أن المصالح الأردنية في أي تسوية نهائية تتمحور حول سبع مسائل هي: القدس، اللاجئون، الحدود، المستوطنات، المياه، الأمن والسيادة، وهي التي ستنجح حل الدولتين وتحقق الأمن والسلام العادل والشامل بين الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين وتفتح الطريق باتجاه سلام أشمل مع العرب حالة عودة الجولان المحتل وفق حدود الرابع من حزيران أيضاً وكذلك بالخروج الإسرائيلي من مزارع شبعا اللبنانية وتلالها ليزداد السلام انتشاراً ورسوخاً ولينتهي التشنج السياسي والعسكري في منطقتنا الشرق أوسطية الملقبة ببرميل البارود.
في ظل ظهور ملامح إعادة تقسيم الشرق ودول عديدة على خارطة العالم إلى دويلات ومناطق جغرافية التي من بينها فلسطين الـ67 التي بدأنا نلاحظها على شكل دولة لفتح وأخرى لحماس نرى فيها إعاقة مباشرة لقيام الدولة الفلسطينية الواحدة، ولا مفر من انتخابات ديمقراطية فلسطينية تعيد الوحدة عبر صناديق الاقتراع، ويوجد فرق بين الواقع وحسب أوراق الأمم المتحدة وبين العواطف السياسية التي تطالب بدمج النهر والبحر وما بينهما في زمن هي إسرائيل دولة نووية، بينما هو ممنوع على العرب ومعهم إيرانهم امتلاك أي سلاح غير تقليدي هجومي، وقضية تجنيس أبناء الأردنيات المتزوجات من عرب وأجانب البالغ عددهن حتى الساعة 84711 ألفاً على الأبواب التي أتمنى أن تبقى في إطار التسهيلات الحياتية بعيداً عن الطابع السياسي، وبعيداً عن منح جوازات السفر والاكتفاء بالهويات الممغنطة فقط. والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق.