حينما "نستحضر" التاريخ ونخسر المستقبل!!
د. زيد نوايسة
13-02-2014 01:57 PM
لا اعرف أذا سجل تاريخ العالم العربي مأساوية أكثر من هذه المرحلة؟!!، فالحالة البائسة التي يمر بها غير مسبوقة أغلب الظن، وفي معظم أقطاره، سواء تلك التي داهمها الطوفان الدامي المسمى "ربيعا عربيا"، أو تلك المحاصرة بالقلق والصمت الأبيض والخوف من قادم الأيام، تعيش حالة من انعدام الوزن وغياب الرؤيا والأمل، دون إعطاء فرصة للعقل لقراءة المشهد بعمق وتبصر وحكمة، بعيدا عن تفسير الأحلام وقراءة الطالع وتغليب التمنيات، وشراء الأوهام المدفوعة بدماء الناس، وعلى حساب مستقبلهم، وإحساسهم بالحرية والكرامة الإنسانية، فالأمة التي ينتظر اغلب من يرسم مستقبلها، تنبؤات قارئي الفنجان والعرافين والمشعوذين السياسيين، تعيش خارج منطق صيرورة التاريخ وتطور الأمم بالضرورة؟!!.
ولعل ابرز عناوين السير بخطى حثيثة نحو المجهول، هو سيادة حالة الانقسام المجتمعي والوطني بكل أصنافه وأمراضه ، وأوبئته متعددة الوجوه والأشكال والمنطلقات، وهذا بالقطع من اخطر ما يؤذي الأوطان ويطيح بكياناتها السياسية واستقرار جغرافيتها، ولا يقلل من خطورة ما نحن فيه، رؤية بعض الحالمين والغائبين عن الوعي السياسي، وعن قراءة تاريخ الأمم وتجاربها، واستشراف خطورة المآلات النهائية؟!! فأين أصبحت الدولة العظمى "الاتحاد السوفيتي" التي شاغلت لوحدها ذات حقبة من تاريخ كوكبنا الغرب كله؟، وأين أصبحت رائدة عدم الانحياز "يوغسلافيا"؟، والأمثلة على صعيد الدول الأصغر كالسودان وما شابهه كثيرة، فما بالنا عندما نسقط الواقع على العالم العربي الذي ما زال في مرحلة "الخداج" الحضاري، لا نشعر بالقلق من إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والبشرية، وتفكيك الشكل الحالي لأقطاره ورسم خرائط المنطقة من جديد، ونعتبر الأمر غير مطروح واستحضاره الآن يكون استجابة لسوداوية النظرة والتفكير؟!!.
الثابت أن المشهد الحالي، والذي استدعيت فيه كل عوامل التفرقة والعصبيات والانتماءات الضيقة بكل مشاربها، هو المسيطر وصاحب الصوت والتأثير الأعلى!!، ذلك أننا وللأسف الأمة الوحيدة على وجه البسيطة التي تدفع من دم أبناءها ثمن الحساب التاريخي بأثر رجعي، وتعطل العقل والتفكير وترهن مستقبلها وأحلام أجيالها في حياة حرة كريمة على خلاف في أحقية الخلافة والحكم قبل خمسة عشر قرناً من الزمن، فيتم استدعاء كل ما يمكن أن يمس المفهوم الحقيقي لرسالة الإسلام العظيمة في قبول الأخر، فكيف لا يقبل المجتهدين فيه؟!!، ويخدش أيضا جمالية اللوحة الوطنية وتعدديتها، وركائز الوحدة والانتماء، فيتم "مذهبة" أي قضية أو " عرقنة" أي موقف أو "فئوية" أي مكون اجتماعي، واستدعاء الهويات الفرعية والمحلية على حساب الهوية الوطنية الجامعة، واستنفارها كلما ظهر في الأفق مشروع تسوية أو تصفية للقضية التي كانت مركزية، فأصبحت مجرد مستودع للخيبات والذكريات المؤلمة، وفي أدنى سلم الأولويات!!، حتى كاد لكل قطر من أقطار الأمة التي استوطن الضياع والقلق والفوضى كل بقعة فيها، "بذرة" انقسام مستقلة مرتبطة بفتيل وصاعق انفجار، وماركة مسجلة وملكية فكرية خاصة، يحركها السيد الأمريكي ووكيله الحصري الإسرائيلي، وأدواتهما الإقليمية والمحلية، المستعدة دائما لأداء دورها بكل مهنية واحتراف، خاصة أذا كان العدو "الذي كان"، في مأزق وجودي وسكاني وقلق على مستقبله في إقليم لا يقبله، ولا يثق في وعوده وعهوده!!.
لعل من نافلة القول الإشارة هنا، أن العقلية التي أوصلتنا إلى هذا البؤس، هي ذاتها التي ما زالت تتعامل مع الإنسان العربي على قاعدة التفكير نيابة عنه، وفهم مهمته المحددة والمقدسة، وبرنامج عمله اليومي، بدئاً من الاستماع لنشرات الأخبار الرسمية، والتي تؤكد أن المسيرة مستمرة والانجازات تتعاظم، وإلى مطالعة مسلسل السهرة اليومي عن حريم السلطان، وسنوات الضياع والتغريبة الهلالية، التي لا تعادل شيئاً أمام ضياعنا وتغريبتنا الحالية المفتوحة في صحراء المجهول بلا نهاية؟!!، والخلود بعدها إلى النوم العميق، مع إطلالة مملة وممجوجة لبعض ممن ارتهنوا الارتزاق في المواقف قدراً أبديا في حياتهم، يصرون على تقديم وصلة ولاء خادع هزيل وكاذب لا يطعم جائع واحد، ولكنه يغني جيوبهم المنتفخة، تكون كلفته الضارة على الأوطان اكبر بما لا يمكن قياسه بأي –وحدة قياس- من الأضرار التي يلحقها العدو في بعض الأحيان، وبنفس الوقت معارضة لا تطرح بدائل موضوعية تستقوي بالأجنبي وتمتهن الرفض المطلق والعدمي لكل شيء، بلا أفق سياسي و برنامج يطرح بدائل وطنية!!.
على أننا، وبالرغم من حالة الخيبة والإحباط المعتق على هذه الأرض المسماة "أوطانا " والقلق على أهلها ومستقبلهم، وقد تركتهم الأقدار والمغامرات الفاشلة وأبطالها من بائعي الأوهام، مشلوحين في عراء الفتنة والخوف الذي يكاد يتسع يوما بعد يوم ليمتد إلى أخر قرية عربية في الأمة الممتدة من الماء إلى الماء، سنظل محكومون بالإيمان والأمل بانتظار ولادة زمن عربي أخر تكون فيه، "الحرية" و"الكرامة"والديمقراطية، المدخل الموضوعي للحل، والخروج من حالة الاستعصاء المزمن الذي يسكننا، يكون الاعتراف بالإنسان وحقه في الاختلاف مع الأخر ضمن حدود وثوابت الدولة وهويتها الوطنية المقدسة، هو المبتدأ والخبر وفصل الخطاب في كل الرواية!!.