سماوي لـ "عمون": - لون واحد ايديولوجي يسيطر على وزارة التربية
13-02-2014 12:41 PM
- أدعو الى ثورة إصلاحية في التعليم
- ليس لدينا دور نشر منافسة.. ولا احترام للملكية الفكرية
- لا يوجد مبرر لاقصاء الثقافة
- " الربيع العربي".. مفهوم مختلف عليه
- ثقافة جديدة تخرج من قلب عاصفة "الربيع العربي"
عمون – نوف الور - بعيداً عن السياسة وقريبا من الثقافة، وربما في قلبها، اجرت "عمون" حواراً مع وزير الثقافة الاسبق الشاعر جريس سماوي عن واقع وحال الثقافة العربية والاردنية على وجه التحديد.
وتحدث سماوي في معرض اجاباته عن اسئلة "عمون" ان ما يؤثر في الثقافة العربية لا بد من ان ينعكس مباشرة على الثقافة في الاردن، و تراجعها من عدمه هو مسألة نسبية، ولم يخفي ارتباط التعليم المباشر بالثقافة مؤكدا ان ما آل اليه وضع النظام التعليمي في الاردن وتحوله الى نظام تلقيني يؤثر سلبا وبوضوح على المسيرة الثقافية.
كانت الاجابات التي حملت نوعا من الخوف على ان يضرب مؤثر ما بالثقافة في الاردن فتسقط، فسقوطها سيكون حينها مدويا ومؤثرا جدا، ففي ظل دولة كالمملكة الاردنية الهاشمية كان للثقافة اولوية واضحة منذ الثورة العربية الكبرى، لكنها اليوم باتت رهينة نظام تعليمي تلقيني يقتل الابداع، فتغيب الثقافة رويدا رويدا.
** ما مدى الارتباط بين والتعليم والثقافة؟
- كنت اقول دائما إن الفعل الثقافي لا يمكن ان يأخذ المساحة المطلوبة من التأثير والحركة دون أن يكون هناك أرض خصبة قابلة لهذا الفعل ومستقبله.
وهنا يأتي دور التعليم. لقد تمت سيطرة لون واحد ايديولوجي على وزارة التربية والتعليم لدينا في الأردن وتم الغاء مواد مهمة في تنوير العقل واتساع مداركه وقدرته على المحاكمة والمقارنة واتخاذ القرارات. كانت وزارة التربية والتعليم في الأردن قبل عام 1968 تدرس كتابا في المنطق وآخر في الفلسفة.
كما كانت هناك حصة للرسم وحصة للموسيقى. وكان واضعو المناهج من كبار الكتاب والتربويين الذين لهم رؤى تنويرية. للأسف تم الإطاحة بكل ذلك وتحول النظام التعليمي وبعده الجامعي الى نظام تلقيني غير ديمقراطي يقوم على رأي واحد ولا يرى في التعليم إلا جانباً واحداً.
لهذا عندما يتم تقديم الخدمة الثقافية للناس من قبل مؤسسة او فرد أو مبدع، وعندما يكتب الكاتب أو الشاعر كتابا أو يقدم الموسيقي عملا موسيقيا عالي المستوى او يبدع الفنان التشكيلي عملا فنيا راقيا، فإن دائرة تأثير هذا الفعل ستكون صغيرة بسبب أن المتلقين من القراء والمتابعين للأعمال الفنية والموسيقية والإبداعية عموما هم شريحة ضيقة وصغيرة أيضا فغالبية افراد المجتمع لم يتح لهم الاطلاع ولا التعرض للفنون الراقية او التدرب على كيفية تذوف العمل الابداعي وهم على مقاعد الدرس باستثناء أولئك الذين تأثروا بأجواء البيت مثلا او الأسرة أو مناخ آخر خارج المدرسة.
في دول العالم يتم تدريب الأطفال والتلامذة على كيفية تذوق الابداع والفن والموسيقى والأدب وهم في سن مبكرة. في سن يقول علماء النفس وعلماء الجمال وعلماء التربية انها السن التي يتقبل عقل الطفل فيها الأفكار والتأثيرات وتتكون الميول الأدبية والعلمية لديه. ويبدأ الطفل بالنضوج مكونا شخصيته واستقلاليته في هذه الأثناء. لذلك عندما يخضع الطفل والتلميذ في هذه السن الى نظام تعليمي تلقيني خال من الروح الإبداعية ومحروم من علم المنطق، العلم المهم جدا في تدريب العقل على التفكير والقياس والذي الغته وزارة التربية منذ عام 1968 كما الغت كتاب الفلسفة وحصص الموسيقى والفن، أقول عندما يحدث ذلك فسيكون لدينا مواطن خال من روح الإبداع في الحياة العامة وفي سلوكياته وعمله الا أولئك الذين تلقوا تعليما خاصا في مدارس خاصة عالية المستوى او الذين كان لهم نصيب في بيوتهم وبتأثير من أسرهم وأهلهم وذويهم في تعويض هذا النقص التعليمي والتربوي.
انني أدعو الى ثورة إصلاحية في التعليم أذ أنني بت أعتقد أن الإصلاح في العالم العربي عموما وفي الأردن خصوصا لا يمكن أن يتم إنجازه إلا بإصلاح التعليم اصلاحا كاملا غير مجزوء، وإعادة النظر في مناهج التعليم بحيث تصبح مناهج تنويرية ملائمة لروح العصر ومرتبطة بما هو ايجابي ومشرق من تراثنا العربي الإسلامي.
كما لا بد من تدريب طواقم المعلمين تدريبا عاليا ومهنيا تماما كما يحدث في سلك المحاماة حيث يستوجب على المحامي الخريج التدرب مدة عامين في مكتب محام يمارس المهنة.
كذلك أن تعاد الخدمة الوطنية الالزامية للجنسين التي كانت تسمى سابقا التجنيد الاجباري بحيث تكون خدمة مدنية ينصهر الطالب خلالها في بوتقة العمل العام ويتدرب على معنى المواطنة عملا لا قولا ولا شعارات ويتعزز في داخله مفاهيم مهمه منها مفهوم العمل والحوار واحترام الآخر والمفاهيم الراقية وتلك التي ضد العنف والسلبية والتهكمية واعلاء ما من شأنه تعزيز سعة الصدر والقدرة على التحمل والتوازن والوسطية ومعرفة معنى ان يعيش المواطن في مجتمع مدني حديث ومتطور.
**الثقافة الاردنية الى اين؟
- يجدر بنا ان نتساءل أولا عن الثقافة العربية الى أين؟ فالثقافة في عالمنا العربي ليست قُطرية وإنما وطنية تنسحب على خريطة الوطن الكبير ومرجعياتها واحدة في كل الوطن العربي. كما أن المؤثرات التي تقع عليها والتأثيرات التي تتركها على مجمل الحركة الأجتماعية والتحولات التاريخية هي على الأغلب الأعم واحدة.
في الأردن كانت الثقافة جزءا اساسيا من مشروع الدولة التي قامت أصلا على مبادئ الثورة العربية الكبرى التي أطلقها المغفور له الشريف حسين بن علي. وكان بلاط مؤسس الدولة الأردنية الملك الشهيد عبدالله الأول بلاطا ثقافيا يضم نخبة من أعلام الأمة من الشعراء والمثقفين والمفكرين ممن أقاموا في الإمارة الفتية من ابنائها وأبناء سورية الطبيعية أو ممن وفدوا اليها مقيمين أو زائرين وكان الملك الشاعر عبدالله الأول يتبادل وإياهم المطارحات الشعرية والأدبية والفكرية ويستمع اليهم حتى ان بلاطه ضم المناوئين له من الأدباء بسعة صدر وأريحية عرفت عن الأمير الهاشمي (الملك فيما بعد) والذي ارسى بنيان الدولة على أسس حضارية حديثة.
الا أن الثقافة في العالم العربي وليس في الأردن فحسب عانت من إرهاصات عصر النهضة في القرن التاسع عشر ومحاولات النهوض القومي لاحقا في النصف الأول من القرن العشرين والذي مازال تأثيرها حاضرا. وما زلنا نعاني للان من فشل المشروع النهضوي العربي وانكسار الفكر القومي والتنويري لصالح الانكفاء والنكوص بعيدا عن الدولة المدنية والمجتمع المدني.
لقد نجح الأردن في ان يكون مثالا للدولة القُطرية التي أرست قواعد الدولة الحديثة ببنيتها المؤسساتية والخدماتية وانجازاتها على صعيد البنية التحتية، إلا أن الوعي الاجتماعي المدني ظل يراوح مكانه ولا يتقدم الأ قليلا وهذا سببه بطبيعة الحال المؤثرات التي تحدثت عنها آنفا إضافة الى عوامل أخرى منها النظام التعليمي الذي لم يستطع ان يقدم فكرا تنويريا حداثويا ينسجم مع حال الدولة الأردنية الحديثة ومؤسساتها أو يتواءم مع مشروع النهضة العربية الكبرى الذي قدمه الهاشميون كمشروع تنويري وحدوي للأمة ولا أن يواكب رؤية واستشراف رأس الهرم في الدولة وأقصد بذلك الملك.
ففي حين أسس الملك الشهيد عبدالله الأول دولة حديثة منبثقة من مبادئ الثورة العربية الكبرى وفي حين قدم الملك طلال رحمه الله دستورا حديثا ومتفردا في المنطقة واستطاع الملك الحسين بن طلال رحمه الله أن يبني الدولة بناء مؤسساتيا وأن يحقق للأردن موقعا متميزا على الخريطة الدولية بسبب ثقله العالمي ودبلوماسيته الاستثنائية وفي حين يتابع جلالة الملك عبدالله الثاني حركة الإصلاح وبناء الدولة وتقديم المبادرات والرؤى من أجل مستقبل هذه الدولة، اقول في حين يحدث كل ذلك من قبل أعلى رأس في الدولة فإن النخب الثقافية تقف عاجزة الان عن مواكبة هذا الأداء مع استثناء فترات قصيرة استطاعت هذه النخب أن تؤدي أداء عاليا منها فترة الخمسينيات والستينيات على الرغم من العواصف التي كانت قد عصفت بالمنطقة ككل.
في الآونة الأخيرة وتحديدا عام 2006 في عهد حكومة دولة الدكتور معروف البخيت الاولى حين استلم الدكتور عادل الطويسي حقيبة الثقافة واستملت أنا منصب الأمين العام قدمت وزارة الثقافة حزمة مشاريع طموحة بلغت ما ينوف على ثلاثين مشروعا ثقافيا منها مكتبة الأسرة ومدينة الثقافة الأردنية ومشروع التفرغ الابداعي وترجمة الأدب الأردني ومكتبة الطفل المتنقلة والمهرجانات والورش الثقافية وثقافة الطفل الخ .. وقد أدت هذه المشاريع التي ما زال بعضها مستمرا الى حراك ثقافي شعبوي على رقعة الوطن ونشطت هيئات المجتمع المدني في انجاز مشاريع مرتبطة بهذه الحزمة وكان الهدف انذاك أن لا تكون الثقافة مقصورة على النخب الثقافية وانما في متناول كل شرائح المجتمع.
وعلى الرغم من تراجع بعض المشاريع بسبب قلة الموارد المالية الا أنني استطيع أن أقول بأنني متفائل بمستقبل الثقافة العربية في الأردن وفي العالم العربي. فقد شهدت هذه المشاريع التي أشرت اليها اقبالا عالي المستوى وأسست لسلوك جديد ومفاهيم جديدة.
**ما سبب التراجع الملحوظ في الثقافة الاردنية.. بدليل أن ما نشر من بعض الكتب التي لا ترتقي الى ما كان يصدر سابقا في الساحة الاردنية؟
- المشكلة أن كثيرا من دور النشر أصبحت تهتم بالمفهوم التجاري على حساب النوع وأصبح هدف الكثيرين الربح قبل مستوى الكتاب . هذه المشكلة موجودة في كل العالم العربي للأسف.
ليس هناك دور عربية للنشر تضاهي الدور الأوروبية أو الأمريكية أو العالمية. ليس هناك احترام لقوانين الملكية الفكرية فكثير من الناشرين ينشرون الكميات التي يريدون دون حسيب أو رقيب وقد حاولت كثيرا عندما كنت وزيرا للثقافة وعندما كنت أمينا عاما وحاول وزراء آخرون تنظيم هذا القطاع وتطويره الا ان الأمر لم يكن بالسهولة التي يتوقعها اي ممن لا يعرفون تفاصيل هذه المهنة. ورغم ان النشر في الأردن يعتبر من أرقى المستويات عربيا وهناك ناشرون مثقفون وجديون في التعامل مع الكتاب الأ ان الأغلب الأعم هو ما تحدثت عنه. كذلك نحن نعاني من قلة القراء في العالم العربي والأردن منه فالقراءة ليست عادة مستوطنة في بيوتنا ومؤسساتنا ولدى الأفراد في بلداننا. ربما ساهم النظام التعليمي التلقيني بذلك والخوف من الكتاب والامتحان الذي أصبح مسلطا على رقاب الطلاب.
**هل الثقافة من أولويات الحكومات؟
- بالنسبة للحكومات المسألة تتعلق بكل حكومة وبرنامجها وأولوياتها والظروف الموضوعية والاجتماعية المحيطة. فمثلا حين يكون الأمن الوطني والغذائي هو من الأولويات تتراجع الثقافة وحين تكون الطاقة او الصحة هما من الأولويات يتراجع الأهتمام بالثقافة.
الا أن ذلك برأيي ليس مبررا لأقصاء الثقافة أو جعلها في آخر سلم الأولويات لأننا بالثقافة والتعليم نستطيع أن نخلق مواطنا حضاريا واعيا بأهمية الطاقة والصحة والأمن والأستهلاك . فيكون الموطن الواعي بذلك استثمارا في كافة تلك الحقول ويصبح السلوك الثقافي الواعي مساعدا للدولة في توفير الجهد والطاقة والموارد وعدم تبذيرها او الاستهانة بها.
نحن شعب استهلاكي بامتياز ولو كانت ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي مختلفا لقلصنا كثيرا من استهلاكنا ولتعززت قيمة العمل اليدوي والعمل بشكل عام لدينا ولتراجعت ثقافة العيب. تصوري كم سنصبح شعبا منتجا ومقتصدا وبذلك نحافظ على أنفسنا وعلى الدولة من كثير من السلبيات والسلوكيات الخاطئة.
على الدولة وعلى الحكومات ان تضع الثقافة والتعليم في أعلى سلم الأولويات لأنها تستثمر في المواطنة وتبعد المواطن عن الجهل والظلامية واقصاء الآخر وتتجه به نحو التنوير والدولة المدنية والمستقبل.
* اين نحن من الربيع العربي ثقافيا على وجه التحديد؟
- ما أطلق عليه الربيع العربي هو مفهوم مختلف عليه. الأ انني ايجابي بطبعي . وأنظر دائما الى النصف الممتلئ من الكأس. لذلك أقول أن هذه العواصف التي عصفت وما زالت تعصف بوطننا العربي لا بد أن تفرز في النهاية مخرجات ايجابية وأن يتطور الأداء السياسي في بلدانا وينتقل من الدكتاتورية ونظم الحكم التوتاليتارية وسيطرة الحزب الواحد الى انظمة أكثر ديمقراطية تحترم أطياف المجتمع وتنوعه. صحيح أن هذه الموجة شهدت صعود قوى رجعية ركبت موجة المسيرات الشعبية وحراك الجماهير.
وصحيح أن هناك قوى أجنبية وخارجية استغلت ما يحدث من أجل محاولة تفتيت بعض الدول العربية التي تعتبر مراكز قوى إقليمية. وصحيح أن هناك تآمراً على وحدة وسلامة بعض هذه الدول. كما أن الأردن يعاني من جراء هذه الأزمات مجتمعة لأنه معني بها جميعا.
إلا انني أرى أن ثقافة جديدة قادمة من قلب هذه العاصفة. وأن سلوكا ثقافيا أكثر واقعية مما عرفناه في الثقافة العربية التقليدية سوف ينشأ. وأن الثقافة الرومانسية التي نعرفها سوف تنزاح ليحل محلها ثقافة أكثر واقعية وأكثر التصاقا بالناس، ثقافة لا تثير الوهم ولا تروج له بل تنتمي للقاع، لقاع المدن وللأرياف والقرى المهملة والجماعات والأفراد الذين لم يتم الأنتباه لهم من قبل القوى والمركز التقليدية للثقافة بل تم تهميشهم.
من ميدان التحرير في القاهرة خرج الى السطح فرق فنية مهمة وشعراء وكتاب وصحافيون وكذلك كوميديون ومفكرون قادرون على الحوار بجرأة ومن غير مجاملة يدحضون الحجة بالحجة والرأي بالرأي وهذا ما أعنيه عندما أحيل العمل التربوي والتعليمي الى علم المنطق الفلسفي.
إننا أمام ثقافة جديدة قادمة وأمام وعي جديد نستطيع أن نساهم فيه وأن نكون عوامل أيجابية أن أردنا وهي فرصة لنا في الأردن للتخلص من الشوائب السلبية في ثقافتنا وسلوكنا وتحرير التعليم والشباب واستخدام هذه الطاقة أيجابيا خصوصا أن في الأردن البنية التحتية الملائمة لذلك. فدولتنا كما سبق وقلت هي دولة حديثة وسطية متوازنة وفيها مؤسسات عريقة. والإنسان الأردني عروبي بطبعه ومنتم لأمته ومجتهد أيضا ولدينا حكم قادر على منحنا كافة الفرص التي نتمناها.