كلما نغوص أكثر في موجودات بلدنا، زاد فهمنا لروح الوطن: الأرض والشعب!!. وحين بدأنا مع المحمية الطبيعية الأولى شعرنا أنه لا مكان لشيء بعيد – عن العاصمة – في الأردن، ووجدنا أن البادية هي مصدر جمالي هائل كما نشهدها في وادي رم، الذي أصبح المكمّل للمثلث السياحي الذهبي: العقبة، بترا .. ووادي رم!!.

أمس اضاف بعض علمائنا من أهل الولاء العميق تكريماً جديداً للأرض الأردنية باقتراحهم على اليونسكو اعتماد وادي الموجب لاقامة أول حديقة جيولوجية في المنطقة على أرض مساحتها 66 كيلومترا مربعا.. وذلك بالاعتماد على النوع الجيولوجي.. فهو الأخفض بين الحدائق الجيولوجية العالمية (420 متراً) ويحتضن تنوعاً فيه سبعة روافد مائية، و300 نوع من النباتات .. وحيوانات وطيور دائمة ومهاجرة.. والأهم تركيز بقايا العصور التي تعود إلى 800 مليون عام اثناء إلى أحدث الصخور الحديثة!!.

ومقترح الحديقة الجيولوجية (هناك تسعون حديقة) في واجب الموجب، هو إضافة إلى المحمية المذهلة في هذا الوادي.. الذي يشبه الوادي العظيم Grand camyonl في الولايات المتحدة .. وهو الإرث الطبيعي الأغنى في البلد الغني بطبيعته، ويزوره عشرات ومئات الآلاف من سياح أميركا!!.

مرّة كنت أتابع التلفزيون في برنامج عن سرقة آثار مصر، وبيعها للأجانب.. في هذه الأيام التي تحمل الفوضى إلى كل شيء في البلد العريق. وسمعت شاباً من المتعاملين في هذه السرقة يقول: قانونياً ممنوع سرقة الآثار، لكن شرعياً.. غير ممنوع!!. فهذا مواطن يعتقد أن الدين ضد حضارة بلده القديمة. تماما كما قام جماعة طالبان بتدمير اثر عمره أكثر من ثلاثة آلاف عام لبوذا.. على اعتبار أنه صنم.. ولو ان أحداً في أفغانستان لا يعبد الأصنام!!.

إن تكريم كل اثر او مشهد طبيعي أو مصدر من مصادر الثروة في بلدنا هو اضافة عظيمة لرأس المال الوطني، وادعو الذين يعيشون في الوهم ان يزوروا محمية من محمياتنا، ويشهدوا قطعان الوعول، والماعز الجبلي والمها، والنعام والغزلان في المواطن التي اعيدت إليها، بعد فراغ موجع دام أكثر من مائة عام، ليفهموا الحاجة الثقافية والنفسية التي يفتقدها ابن عمان والزرقاء واربد الذين قصّرنا في تعريفهم إلى كل بقعة من الوطن. وكل جمالية فيه ومثلما نعتز بجهد علماء الطبيعة في بلدنا، بالحاحهم على تكريس ثروات البلد من المشاهد الطبيعية، فاننا عاتبون عليهم وعلى حكوماتنا، لتحويل واحة الازرق الى يباب بعد ان «سرقنا» مياهها، لاعطاء الخدامات السيرلانكيات الاف الامتار من مياه تضيع في غسل السيارات، وفي جلي الصحون، وكان الاجدر ان يستفيد البلد منها بطرق اخرى غير تجفيفها..

هناك الآن مئات الالاف من الاجانب الذين يعودون الى وادي رم، في رياضة معروفة برياضة الصمت والتأمل، وبنات في المانيا يسمين انفسهن «بالبتراويات» لانهن يقمن بالترويج للمدينة الوردية دون دعم ترويج السياحة، وآخرون ينشئون نوادي تحمل اسم نادي «الاوركس» وصورة المها على صدور ستراتهم.. وهم زوار دائمون لمحميات هذا الحيوان الجميل الذي لا يعيش الا في الصحراء!!.

خذوا تلاميذ المدارس الى وادي الموجب، وليمارسوا رياضة المشي، وملء رئاتهم بهواء الوادي العليل ومشهد قطعان الايائل في ربوعه، فهذا هو الدرس الاول في حب الاردن!!.
(الرأي)