صحفيٌّ فوقَ محيطٍ يحترقْ !
ممدوح ابودلهوم
12-02-2014 02:23 AM
الأديب والكاتب الصحفي البارز ( أنيس منصور ) للذين لا يعرفونه ، هو باختصار كاتب مصري متعدد المواهب غزير النشاطات ، له ما ينوف على (70) مؤلفاً توزعت على حقول إبداعية شتى ، فمن الأدب قصّاً و روياً ونقداً وأحاديث إذاعية وتليفزيونية ، إلى السياسة حيث عمل مراسلاً حربياً وكتب آلاف المقالات الصحفية والتحليلات السياسية ، ناهيك به صاحب قلم رشيق في الكتابة الساخرة والسرد الوصفي وأدب الرحلات ..
فمؤلفه الأشهر (حول العالم في 200 يوم) قد بزّت شهرته شهرة صاحبه فما يزال متداولا حتى اليوم ، وما زال الأديب الكبير أطال الله في عمره وقد شارف على الثمانين في أوج تألقه عطاء وإنتاجا وحيوية ..
وفي إحدى مغامراته إبان عمله كمراسل حربي في اليابان ، حدث أن بركانا هادئا حد الموات ، لم يلفظ قبلة حمميّة واحدة منذ (200) عاما ، لكنه لحظ منصور العاثر قرر أن يخرج عن صمته ذلك اليوم ، والذي صادف أن كان (17 آب) وهو ذكرى عيد ميلاد أديبنا النابه ، حيث تحول المحيط الهادئ إلى بحيرات حممية ، تشهق نارا وتزفر لهبا في تنفسها السعيريّ الغاضب ، وكان ذلك بالقطع حدثا ساخنا بحسب القاموس الصحفي ، وكاد زميله المصور أن يقع مغشيا عليه ، حين همس له الأستاذ منصور وبلسان صحفي مبين ، بأنه سيحتفل بذكرى ميلاده فوق تلك البحيرات اللاهبة مشيراً بسبابته إلى حيث النيران !، ولم ينتظر موافقة زميله المصور ، فقد قرّ قراره بأن استأجر طائرة صغيرة ( 2.5م × 1م ) هكذا .. (!) وكان طموح أنيس منصور لحظتها أن يكتب ويصور ، ثم يرسل إلى مجلات (آخر ساعة) و (الأخبار) و (أخبار اليوم) و مطبوعات أخرى ، وبأن يكون ذلك قصب السبق في تغطية هذا الحدث المغري ، و ..كذا كان ، حيث سبقت (آخر ساعة ) مجلة ( اللايف ) الأميركية الشهيرة ذائعة الصيت ..
أما المثير كما يروي الأديب الكبير فكان في عملية التصوير ، حيث كانت درجة الحرارة داخل الطائرة من السخونة باحتراق لدرجة انهم خلعوا ملابسهم إلا من ورق التوت – عفوا .. ورق الصحافة !، فظهرا كأنهما طرزانان بل ثلاثة إذ نظرا إلى مقعد القيادة فوجداه خاليا ، فقد كان ثالثهما الطيار و الذي لم يرد أن تفته مثل هذه الفرصة التاريخية في تصوير البحيرات الملتهبة ، غير أن حرارة الطائرة بدأت تلفظ ناراً أعتى ولم يبقَ من شيء يخلعونه إلاّ جلودهم و .. لكن !
وحين بدأت الطائرة بحركات هستيرية سارع الطيار إلى مقعده لينطلق و بصعوبة ، هرباً من خطر كان محدقاً وموت كان محققاً ، حيث حط بعد غير محاولة في قاعدة قرب (بيرل هاربر) الأميركية في نهاية المطاف ..
المثير الثاني في الحكاية .. ختاماً ، كان وكما يروي أنيس منصور هو في الإحساس بالخوف ، الذي بلغ أوجه (جواً) وتلاشى تماماً (أرضاً) ، حتى و لكأنه فعل ميكانيكي متعلقٌ بالطيران لا حالة سيكولوجية متعلقة بالإنسان ، فلعلها تلك الوشيجة التوأمية بين الأرض والإنسان ، إذ لم يتغير الإحساس بالأمان على الأرض حتى حين رأى أن الجناحين قد احترقا ، وأن قذائف اللهب الحممية قد كان بينها وبين خزانات الوقود أقل من ثلاثة مليمترات !!!