قرار مجلس أمناء الجامعة الأردنية برفع رسوم الدراسات العليا والبرنامجين الدولي والموازي، هو قرار خطير، يسير في الاتجاه الخاطئ تماماً للتعامل مع أزمة الجامعات الأردنية؛ بل يسير بنا خطواتٍ أخرى نحو تعميق هذه الأزمة، لا البحث عن حلول حقيقية وجوهرية لها!
مبرّرات القرار معروفة، وهي محاولة الجامعة حلّ مشكلتها المالية عبر الرسوم الجامعية، مع عدم وجود أيّ نوع من المساعدات الحكومية لها. وتحاشياً لردود فعل سلبية، لجأت الجامعة إلى برنامج الدراسات العليا و"الموازي"، كما "الدولي"؛ فرفعت نسبة الرسوم لطلبة الدراسات العليا بحدود 70-80 %، وهي نسبة فلكية غير منطقية، وكأنّنا نريد معاقبة الطلبة الذين يرغبون في إكمال دراساتهم العليا، بأعباء مالية كبيرة، لا يملكون القدرة على تحمّلها!
نتيجة هذا القرار ستؤثّر على جوهر العملية التعليمية! فمثل هذه الأسعار المرتفعة ستتجاوز قدرة كثير من المؤهلين والمستحقين للدراسات العليا، وتمنح هذه الفرصة لمن يملك لا لمن يقدر. وهذا ظلمٌ شديد يقع على شريحة واسعة من المواطنين، من أبناء الطبقة الوسطى، الذين يناضلون ويقاتلون من أجل تأمين حياة كريمة، وتحسينها، فيأتي مثل هذا القرار ليحرمهم حقّاً آخر من حقوقهم في إكمال الدراسة، أو تدريس أبنائهم، ويعزّز من "الشرخ الطبقي" المتنامي!
بالضرورة، ما قامت به الجامعة الأردنية هو بالون اختبار، ومقدّمة لقرارات من الجامعات الأخرى التي تعيش أزمات مالية أصعب بكثير من الجامعة الأردنية؛ وربما أيضا لتمرير قرارات أخرى، لاحقة، على مستوى مرحلة البكالوريوس.
أمّا خطورة القرار ونتائجه فسنشاهدها، معاً، خلال السنوات المقبلة، على نوعية مخرجات التعليم العالي في الأردن، والذي ستسرّع هذه "القرارات" في مساره المتدهور أصلاً، بدلاً من الاستدراك عليه والبحث عن حلول نوعية وجوهرية لأزمته، والتفكير في أصل المشكلة وأساسها، بدلاً من الهروب إلى أمام، وتجذير الأزمة بمثل هذه السياسات والقرارات!
ما هو جوهر المشكلة المالية للجامعات؟ يمكن تلخيص ذلك بعبارات بسيطة وموجزة؛ فالمسؤول أولاً وأخيراً هو السياسات الحكومية الكارثية المتراكمة تجاه التعليم العالي، وغياب أي استراتيجية مدروسة من قبل الخبراء والمتخصصين، بحيث أصبحت الجامعات ضحية لعبة الاسترضاء الجهوي والعشائري، وتمّ تحطيم قيمتها وأهميتها عبر هذه "المقامرة الرسمية"!
هل هي عبارات قاسية؟ لا، بل أقل بكثير من الحجم الحقيقي للجريمة التي ارتكبها المسؤولون بحقّ التعليم العالي والجامعات. إذ أصبح افتتاح جامعة والتوسع فيه من باب الاسترضاء والمجاملات الجهوية والجغرافية، وتعيين الموظفين والكادر المتضخم في أغلبها مجاملة للنواب ولكسب الولاء وعقد الصفقات لتمرير الثقة بالحكومات وإقرار الموازنات. حتى رؤساء جامعات وطاقمها الإداري أصبحوا يعيّنون على هذا الأساس البدائي المخجل!
من أرهق التعليم العالي بفتح الجامعات والتوسع في التوظيف غير المبرر وغير المنطقي، والتعيينات على هذه الأسس المخجلة، هو الدولة نفسها، التي تتأفّف اليوم من عبء الجامعات المالي!
والدولة أيضا هي من أرهق الجامعات بالضخّ الجائر للطلبة، بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية وإمكاناتها وقدراتها، فأصبحت نسبة من يقبلون عبر القبول الموحّد هي الاستثناء و"الكوتا"، بينما من يقبلون عبر الاستثناءات والكوتات هم الأغلبية والأصل، ما ضخّم من حجم العبء المالي والمديونية والعجز في موازنة الجامعات!
قبل ذلك وبعده، فإنّ الحكومة تعاقب الجامعات ولا تريد أن تدفع لها، وتطالبها برفع الرسوم والاعتماد على نفسها، بينما الجامعات الحكومية في كل دول العالم، هي مسؤولية الحكومة. أمّا البديل المطروح اليوم فيتمثل في الجامعات الخاصة، والتي تحوّل كثير منها إلى دكاكين لبيع الشهادات، لا مراكز للمعرفة والتنوير والتعليم والبحث العلمي.
نراكم أخطاءً على أخطاء، ونفكّر بطريقة مقلوبة ومعكوسة، ثم نتفاجأ ونُصدم من نتائج هذا الخراب الذي نصنعه بأيدينا!
(الغد)