صدر في الشهرين الاخيرين سبعة كتب على الاقل، وفي مختلف العواصم العربية، القاسم المشترك بينها رغم تباين المرجعيات، هو نزع صفة الربيع عن ما حدث في العالم العربي خلال السنوات الثلاث الماضية، ومنهم من سماه الربيع الاسود، بالطبع لم يكن ممكنا لاحد ان يخبر بهذا الرأي في حمى الحراك يوم بدت شعلة النار التي انطلقت من جسد البوعزيزي، وكأنها تضيء الظلام الاستبدادي الحالك.
فهل اصيب الناس بخيبة امل بعد افراطهم في التوقعات والتفاؤل؟ ام ان الشارع يمارس ديكتاتوريته في بعض الاحيان مما يضطر البعض الى ايثار السلامة بالسكوت؟
ما يحدث عندنا كعرب هو عدم الجهر بردود الافعال، وتأجيل ابداء الرأي بحيث تصبح القراءات كلها بأثر رجعي، منها من يعيد انتاج ما حدث كي يتناغم مع منهجه ورؤاه، ومنها من ينتظر الكفة الراجحة.
نعرف ان الكتابة عن احداث ساخنة هي كغرز الاصابع في النار، او على الاقل في الصلصال، الذي يضطر النحاتون انتظاره كي يبرد قليلا، لكن هذه الاستراتيجية التي أفرزها الحذر المزمن والخشية من سوء الفهم او التقويل، تحرمنا من الشهادة على وقائع اثناء حدوثها، تماما كالكتابة عن الطغاة بعد التأكد من رحيلهم او خلعهم، بحيث اصبحت كلمة الحق في ثقافة الخوف تقال فقط في جنازة سلطان ميت وليس في حضرة سلطان جائر!
البعض ممن يكتبون بأثر رجعي عن الحراك العربي المتعدد الاسماء ينطلقون من مقولة، هي ان الاشياء تقاس بنتائجها وكذلك الافعال، فاذا كان ما يحدث في العالم العربي الان من احتراب اهلي ونزاع طائفي وخلخلة النسيج الاجتماعي كله، هو من افراز ذلك الحراك، فهو اذن مؤامرة، لكن هناك من يرون ما هو ابعد واشد ارتباطا بالرؤية الجدلية للتاريخ، فثلاثة اعوام فقط لا تكفي لانجاز مهمة سياسية تم تأجيلها عدة عقود، وقد يرى هؤلاء في اشتداد الازمات وعدا بانفراجها ثم يفاجأون بانفجاراتها.
الارجح ان الساعة التي تضبط عليها خطواتنا وايقاعاتنا مصابة بعطب ما، فهي تؤخر وتلتصق عقاربها، بحيث يصبح كل شيء مؤهلا، والنقد يأتي بعد فوات أوانه.
في الاشهر الاولى من عام 2011 وما اعقبها كان من يرون ما هو ابعد من السطح يهمسون لبعضهم، واحيانا لانفسهم فقط، ومنهم من يضطر لامتطاء الموجة كي لا يبدو بعيرا أجرب في القافلة، يجب إفراده كي لا يعدي البقية.
ما اسهل النقد بعد انقضاء أوانه، أما الأنكى من كل ذلك فهو ان من كانوا من الغلاة في الحماس، هم الان من الغلاة على الشاطىء الاخر، ذلك ببساطة لان التطرف اصبح مهنة لهذا ما من تناقض بين الغلاة، أيا كانت مرجعياتهم الفكرية والايديولوجية، لأنهم أخيرا يلتقون في أقصى المسافة!!
(الدستور)