في نهاية الثمانينيات , كتب الزميل أحمد سلامه مقالا في الرأي عن جرح حزيران ..كنا وقتها صبية صغار ...في مدارس أبو نصير وما زلت اذكر رد الحسين عليه , ما زلت اذكر كيف استفز شاب من (بديا) وجدان الحسين وأنصفه ..بكل ما في كلماته من عفوية وصدق ومحبة ابن لأب ...
كبر أحمد وكان موزعا بين (بديا) والهوى الهاشمي , وعمان ..وهو الان كقطعة (كيك) موزع بين نابلس وعمان , والمنامة ...وماالذي تبقى منك يا صديق كي تأخذه العواصم الأخرى ...
أتدري يا أحمد سلامه لماذا أكتب لك هذا الصباح ؟...لأني كنت أظن أن عشق الحسين كان حكرا علينا نحن الذين صعدنا من غرام الجنوب ..إلى غرام عمان , وفي لحظة حين تعرفت على جنونك ..وليس شخصك , عرفت معنى مهما من معاني العشق الهاشمي ...ولم يكن هذه المرة من لسان أبي أو جدي الذي أمضى العمر في الضفة الغربية جنديا في سلاح الفرسان ...بل من عيون أهل نابلس وهناك ...حين تقرر أن تسافر إلى الضفة يحتضنك أهلها ويدللونك , وأول شيء يقولونه لك :- ( فيك من ريحة حسين) ...
أنت يا رفيق السنوات المتعبة , والأيام المتعبة ....عشقت الحسين فلسطينيا وأردنيا ونابلسيا وكركيا ...لم تعشقه من عباءة تنظيم , ولا من راية حزب ..وكان في لحظة من لحظات العمر بمقدورك , أن تحترف المقاهي الثورية في بيروت , وتتحدث عن رجعية الأنظمة العربية, وتصبح رمزا للتقدمية ونصبح نحن دعاة الرجعية ...لكنك لم تفعل هذا فقد ظلت نابلس تشدك للغرام الهاشمي , وظلت عمان ...تحبك بكل ما في الأم من قسوة .
لهذا أخجل أن أدافع عن الحسين أمامك , لأنك الوحيد الذي خاطبته من جرح النكسة وأحببته وما زلت أذكر مقالك الذي كان أشبه ببراءة العاشق من جرح الأرض ,ولهذا استفزك هذا الصباح أن تكتب ...وفلسطين حين تكتب للحسين يصمت الجميع فلاصوت يعلو على صوتها ولا جرح يعلو على جرحها ....فيا بن كركنا البار لك السلام .
(صغيرا واحتوى قلبي هواكا ...وجئت اليوم زحفا كي أرك) ...
كنت أسمع نشيدا كربلائيا أمس ..يا أحمد ,للحسين ...وأظن أن الأمة مرت بكربلائين الأولى حين سقط الحسين الجد شهيدا وانتصر الدم على السيف , والثانيه مرض الحسين الحفيد ..,كيف استبسل في القتال ...ولكنها إرادة الله , التي حملته إلى السماء ..قائدا وابا ومعلما وسيدا ...فلماذا تنبش كربلائنا , ولماذا تتصارع الأقلام وتدين حقبة كانت غرامنا وعشقنا ...كيف يدينون العشق في بلادنا وأي اثم يرتكب بحق تاريخك وغرامك .
ماظل في رأسك يا أحمد سواد شعر كل ...ما على الرأس صار أبيضا , وتأخذ في اليوم (كمشة أدوية) ..وأعرف أن العمر متعب ولكني مضطر هذا اليوم أن أقف وأنصفك على الأقل في قلبي أنا ومضطر أن أدافع عن تاريخك ..لأنك أكثر الناس صوفية في غرام الحسين , وأنا مثلك جئت من الكرك ...حين جئت أنت من نابلس ...وتعلمنا الحسين شرعية حكم وعشق وحالة غرام ..وكان بإمكاننا لو أننا احترفنا اليسار مذهبا ...أو الأحزاب المعلبة طريقة أو مؤسسات التمويل ..أن نختصر كثيرا من الأيام وكثيرا من الشقاء ...ولكننا أرتضينا الجنوب رفيقا لغرامنا ...فلماذا يستفزوننا اليوم ...في عشقنا , ويتقاذفون تاريخ الحسين في كلماتهم ..وكأننا كنا هوامش في الصفحة ..أو كنا علامات ترقيم على نصوص التاريخ فقط ...
أعرف سيبكيك كلامي ...أعرف سيثير في قلبك نارا , وأدري أنه سيهزم كل الصمت في محجر عينك ...ولكني أؤمن أن أهل الضفة ..أهل نابلس والخليل .. وطولكرم ...لهم في غرام الحسين طريقة ومذهب ...وأنا تعلمت في أبجديات العشق الهاشمي ...أن أيمم دائما صوب كلامك وسطرك المنثور على الورق ...
فيا رفيقي المقسم بين نابلس وعمان والمنامه ...أعتذر لك أنهم استفزوا قلبك قليلا وأنت أول من أنصف الحسين حين تحدث عن النكسة ...فهل مازال في القلب بعضا من اللغة ..
سأنهي مقالي بجملة كتبها صلاح أبو زيد حين استشهد هزاع المجالي فقد بث نبأ الشهادة عبر اثير الإذاعة الأردنية مخاطبا الناس :- بورك الدم يا كرك ..بورك الدم يا خليل ..بورك الدم يا نابلس ..بورك الدم يا سلط ...
(الرأي)