في الاردن.. المنصب الرسمي هو الصانع الرئيس للنخبة السياسية للدولة، بمعنى أن النخبة السياسية للدولة غالبا ما تكون أجراما تابعة تدور في فلك النظام الرسمي وتعجز عن الخروج عن مسارها، واذا حدث نادرا وخرج (نيزك) عن المسار فانه سرعان ما يخبو أو يحترق.

وفي بلد يعشق مواطنه المناصب ويبجل مجتمعه أصحاب المناصب الرفيعة لأنهم الاقدر على تقديم الخدمات (المصلحية) فإن رؤساء حكوماتنا يمثلون قمة النخبة السياسية التي يفترض أن يبحث عنها الناس عندما تلف الغيوم السوداء سماء المنطقة وتصبح الطرق السياسية سالكة بصعوبة.

رؤساء حكوماتنا الان بين صامت لا يكاد يهمس وبين جالس في قاعة الانتظار يدير كولساته بسرية ويصنع ببطء (لوبي) خاصاً به من السياسيين والنواب، وبين منشغل في العمل التجاري يكاد ينقطع عن العمل السياسي فاقد الفرصة والامل في العودة الى المنصب وربما غير راغب به! وما عدا هؤلاء يوجد واحد فقط يتحدث في الشأن العام علنا ويحاضر في الوضع السياسي كلما دعي الى ذلك ويقدم رؤيته السياسية في المرحلة ويحاور فيها.

اذن فقمة النخبة السياسية الاردنية غائبة عن الحدث أو متكتمة عن إبداء الرأي في المرحلة الاخطر في تاريخ الامة والدولة ومن هنا فاننا نمر بظروف وتحركات ومخططات دولية تمس الدولة وقضايا الامة وترسم مستقبل المنطقة في غياب تام لحراك فكري سياسي ينير الطريق ويرسم لنا معالمه ويدعم صاحب القرار لأتخاذ الموقف الصائب الذي يحفظ كياننا ومصالحنا ونجمع الشعب حوله فبدون الموقف الشعبي الملتحم مع القرار الصائب لن نستطيع الوقوف أمام الرياح العاتية التي بدأت تعصف بالمنطقة.

نفترض.. أقول (نفترض) أن فلانا عندما يتم اختياره رئيسا للحكومة فانه يجمع بين الكفاءة والرؤية والمعلومات، ومن هنا فان الناس يعتقدون أن رؤساء الحكومات سواء كانوا في المنصب أو خارجه يعرفون ما يدور أو لديهم رؤية ورأي وموقف مما يجري داخليا وخارجيا، وبما أن رئيس الوزراء - أي رئيس وزراء - ليس موظفا اداريا فان ما ينتظره الناس من هذه النخبة (المتنورة) أن يسمعونا أصواتهم ورؤاهم، وأن نجد أكثر من واحد منهم يعطينا جوابا على مجموعة من التساؤلات المحيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل تحركات وزير الخارجية الامريكي ومشروعه للتسوية (طبخة منتهية) تدخل طور التنفيذ أم مناورة وقت وسياسة في حلقة مفرغة ؟ من يطفىء قلق الاردنيين من مخاطر تتهدد دولتهم ومجتمعهم؟ ماهي قصة المخيم الضخم بالبنية التحتية الهائلة الذي أصبح شبه جاهز في الازرق؟ هل انجاز الطريق الدولي بمواصفات ( سوبر ) بين الازرق والحدود السعودية مرورا بالمخيم المذكور وعلى نفقة الاشقاء مجرد مشروع لتلافي حوادث السير الخطرة في المنطقة أم له علاقة بتوطين ما؟ هل ما زال الاردن ممر للمخدرات أم مستقراً وتجارة تدار من لوبي خطير ولماذا؟

رئيس وزراء سابق واحد يتحدث ورؤساء كثر يصمتون صمت القبور؟ أي أحجية أردنية هذه أن يصمت العارفون في زمن يكون فيه الصمت جريمة!