لم يعلَن بعد عن جولة جديدة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة. كيري الذي اعتاد زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وأحيانا الأردن مرتين في الشهر،مايزال متمسكا بسعيه للتقدم باتفاقية إطار تمهد لمفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل.
لكن منذ جولته الأخيرة قبل أسابيع يواجه كيري هجوما مركزا من قبل أوساط اليمين المتشدد في إسرائيل، وحملة إعلامية وسياسية ضد خطته الموعودة في الأردن.
ربما تكون هذه التعقيدات سببا من أسباب تأجيل زيارته للمنطقة، لكن المؤكد أن هناك دوافع أقوى للتريث. إذ تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الوزير كيري لم يتمكن بعد من التغلب على عقدتين رئيسيتين في خطته هما: الترتيبات الأمنية والحدود. ولهذا فضل اللجوء إلى مشاورات سرية مع الأطراف المعنية قبل التوجه للمنطقة، والإعلان عن خطته قبل نهاية الشهر الحالي، كما كان مخططا من قبل.
نهاية الأسبوع الحالي ربما تحمل تطورا جديدا على هذا الصعيد، حيث من المقرر أن يلتقي الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن المرجح أن يكون كيري حاضرا في قمة كاليفورنيا. جهود كيري لإطلاق مبادرة للحل النهائي ستكون على طاولة القمة،وسيتبين من تصريحات اوباما ما إذا كانت الإدارة الأميركية ماضية في جهودها أم أنها تراجعت قليلا.
لايبدو من تصريحات كيري الأخيرة في ميونخ نية التراجع، فقد أكد المتحدث باسمه أن الانتقادات التي تكيلها أوساط اليمين الإسرائيلي له لن تثنيه عن مواصلة جهوده لحل النزاع في الشرق الأوسط.
الأردن الرسمي، ورغم المخاوف التي يبديها قطاع واسع من السياسيين والنواب حيال نوايا كيري، فإنه مايزال على موقفه الداعم لجهوده، وسنسمع كلاما بهذا الخصوص في قمة الملك وأوباما يوم الجمعة المقبل.
لايعني ذلك بالضرورة أن الأردن واثق من نجاح كيري، لا بل إن التقييم في أضيق حلقات القرار ربما يكون مفاجئا للكثيرين، لوجود قناعة راسخة بأن اليمين الإسرائيلي بكل تلاوينه، لن يمنح كيري أو غيره فرصة التقدم بمشروع عادل للسلام في المنطقة.
مع ذلك فالأردن لا يستطيع وبحكم علاقته الوطيدة بالولايات المتحدة اتخاذ مواقف من شأنها إضاعة فرصة ربما تكون الأخيرة لإحلال السلام في المنطقة.
كيري في وضع لا يحسد عليه؛ فهو مهدد بالفشل على أهم جبهتين دبلوماسيتين؛ في جنيف حيث الأفق المسدود بين النظام السوري والمعارضة. وفي ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث التعنت من طرف حكومة نتنياهو يهدد بتقويض فرص الحل النهائي.
بالنسبة لدبلوماسي كلاسيكي مثل كيري، النجاح الحقيقي والتاريخي لا يتحقق بغير حل الصراع الأساسي في المنطقة. لكن هذا الهدف دونه عقبات كبيرة يصعب تذليلها. أما الأزمة السورية فإنها تتجه لتكون عنوانا لصراع مزمن وطويل في المنطقة يضاف للملف الأول. بهذا المعنى فإن كيري قد يخرج من مولد الشرق الأوسط بلا حمص. أو يكتفي بما تحقق من"إنجاز" في حمص المدينة التي خفف نظام الأسد من قبضته عليها، وسمح لقوافل المساعدات بدخولها.
(الغد)