من المعروف عن الشعب الاردني ، اضافة للكشرة الدائمة ، التي من اجلها يضرب المثل الشعبي "ما بضحك للرغيف السخن" ، انه شعب كثير العتب على من يحب ، وهو هنا يحب الحكومة ، لذلك يعتب عليها كثيرا عندما لا تحقق له كل رغباته ومتطلباته ، ولا تقوم بالدور الذي من المفترض ان يقوم به هو نفسه في كثير من المجالات ، انه شعب اشتراكي الهوى ، حيث يعشق القطاع العام ، ويعتبره الشريان الرئيسي المغذي لحياته .لقد اتخذت الحكومة ، وبعد مخاض عسير ، وتبريرات امتدت لاشهر طويلة ، قرارات برفع اسعار المشتقات النفطية ، او ما سمي بتحرير اسعارها ، وهذا ما أدى الى امتعاض الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا ، بمن فيهم الفئات التي تعشق كلمة "تحرير" وتطرب لها ، ولم نعد نسمع شيئا عن جدول غلاء المعيشة ، والعلاوات او التخفيضات التي تتبع له ، ولم نتأكد بعد من ان هذا " التحرير " مرتبط بارتفاع اسعار النفط العالمية ، أي انه يمكن ان تنخفض اسعار المشتقات النفطية مستقبلا ، فيما لو انخفض سعرها العالمي ، مع ان الحقيقة الثابتة التي يؤمن بها الشعب ، انه لا يمكن لشيء ان ينخفض سعره مرة اخرى .
فالحكومة حررت اسعار المشتقات النفطية ، بقيمة معقولة لبعضها كالبنزين ، وبقيمة غير معقولة للبعض الاخر كالديزل والكاز ، ومهدت لذلك نفسيا ، وكانها كانت تخاطب المواطنين وهي تحس بالشعور بالذنب ، لكن ما لا يمكن تبريره ، هو قيام منتجي بعض المواد الاستهلاكية برفع اسعارهم عشوائيا ، وحتى قبل ان ترفع الحكومة اسعار المنتجات النفطية ، ووصلت قيم رفع اسعار بعض المواد الى ارقام ونسب فلكية ، وهنا يجب ان نتعامل مع النسب وليس مع القيمة ، فكرتونة البيض ارتفع سعرها من دينارين وعشرة قروش الى ثلاثة دنانير وربع ، وهي قيمة لا تكاد تذكر مع التكاليف الاجمالية للمعيشة ، لكن نسبة هذا الرفع ، والتي تجاوزت الخمسين بالمئة ، هي نسبة غير معقولة ولا نجد لها مبررا ، فانعكاس ارتفاع اسعار النفط على البيض يقتصر – على حد علمي - على ارتفاع سعر اسطوانة الغاز ، التي تستخدم شتاءا لتدفئة مزارع الدجاج ، وهذا الاستخدام ينحصر في فصل الشتاء فقط ، أي الى حوالي اربعة اشهر على الاكثر ، ولجزء من هذه الفترة حيث يشتد الصقيع ، وارتفاع سعر الغاز الحالي من اربعة دنانير وربع الى ستة دنانير ونصف لا يبرر ارتفاع سعر البيض بهذه النسبة ، فهل سيقوم منتجو البيض بتخفيض سعره بعد فصل الشتاء ؟ قد يقول قائل ، ان هناك مواد اخرى ترتبط بالبيض والدجاج ارتفع سعرها ، كالاعلاف مثلا ، وهنا من حقنا ان نعرف من المنتجين مقدار الرفع ومبرراته ، ولماذا يجب ان يكون اعلى نسبة من رفع اسعار المشتقات النفطية ، وهناك مثل اخر على عدم معقولية رفع الاسعار ، حيث سمعت ان كيلو الكوسا قد اصبح دينارين ، أي انه تضاعف ثلاث مرات عن سعره المعتاد .
انني اؤمن ان رفع سعر المشتقات النفطية لا بد ان يؤثر على اسعار معظم ان لم يكن كل المنتجات والخدمات الاخرى ، لكن ليس بهذه النسبة ، التي يحاول التجار والمنتجون من خلالها رفع نسبة ارباحهم عن السابق ، وليس التماشي مع الرفع الجديد فقط ، انهم في سباق مع الزمن لنهش لحم المواطن كلما سنحت لهم الفرصة ، وهل من الاخلاق في شيء ان يباع سعر مادة ما بالسعر الجديد ، رغم ان التاجر كان قد اشتراها وخزنها بالسعر القديم ؟
واعود الى عنوان الموضوع لأسال ، لماذا يتراكض المواطنون على استهلاك مادة ما بعد رفع سعرها بشكل غير معقول وغير مبرر ، رغم امكانية الاستغناء عنها ؟ ماذا يحدث لو توقف المواطنون عن شراء الكوسا واستهلاكه لمدة شهر واحد ؟ وماذا يحدث ايضا لو قاموا بنفس الاجراء بالنسبة للبيض ؟ وغيرها الكثير من المواد غير الضرورية ، ان المواطن غير مضطر في مثل هذه الحالات ان يستمر بنفس نمط استهلاكه السابق ، وواجب عليه ان يلقن المتلاعبين بالاسعار الدرس الملائم ، كما هو مطالب ايضا ان يقنن الى اقصى حد استهلاكة لمختلف المواد التي لا يمكن الاستغناء عنها ، يجب ان يبادر المواطنون لذلك من ذاتهم ، في ظل عدم توفر عمل جماعي منظم تقوده احدى منظمات المجتمع المدني .
m_nasrawin@yahoo.com