كل صاحب خبرة يدرك أن لكل كاتب هوية وسياق فكري وسياسي يكون حاضرا في كل ظهور أو حديث أو كلمة مكتوبة، ولهذا يكون الاستغراب من البعض عندما يذهبون في تفسير وتأويل بعض ما تقول خارج السياق وافتعال معركة لا يقصدها من كتب بل لم تخطر على باله.
الأسبوع الماضي كتبت مقالاً مستخدماً مثلاً شعبياً وكان جوهره أن علينا الانتباه في قضية الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين وما يسمى « حقوق « أبنائهن، لأننا نخشى أن يكون فتح الباب بداية لمطالبات بعد سنين تصل إلى منح الجنسية لهم ولآبائهم وهم مئات الآلاف قابلين للزيادة، وأن منح ما يسمى بالحقوق اليوم سيجعل المستقبل يحمل مزيداً من المطالبات التي قد تصل للجنسية الكاملة بما تعنيه من أبعاد سياسية.
تابعت ردود الأفعال وأحترم تماماً كل من تحدث بروح وحدوية والتي تمثل هاجسنا جميعاً، لأننا نؤمن أن قوة الدولة بتماسكها وأحترام الدستور وفكرة المواطنة والشراكة بين أبناء الأردن في بناء الأردن والدفاع عن مصالحه.
فكر الدولة الذي نؤمن به يقوم على تعزيز الوحدة الوطنية، فالأردن دولة لها معادلة أمان واستقرار جوهرها تماسك الجبهة الداخلية التي تعني احترام كل مكونات المجتمع بغض النظر عن أصولها.
ونؤمن بفكر الدولة الذي يرى في الإقليمية مرضاً قاتلاً، لكن الإقليمي الحقيقي من يتحدث لغتين وفق جمهور المكان، والإقليمي من يفتعل المعارك لإثارة النعرات، فالإقليمية ليست موقفاً سياسياً حتى لو اختلفنا معه بل خلق وممارسة وأحاديث ملونة، وكلنا نعلم أوكار الإقليمية ورموزها وصبيانها، لكن دفاع الأردني عن هوية دولته ورفضه لأي فكر توطين ليس إقليمية بل موقف وطني يواجه مخططات الاحتلال وكل صاحب نفس ضعيفة.
لا يمكن لنا جميعا كأردنيين صادقين أن نكون مع أي فكر أو خلق يقسم الناس بين شرق وغرب وشمال وجنوب، لأننا نعلم أن قوة الأردن ومصلحته بوحدته ، لهذا فأي فهم خاطئ أو تحميل لأي نص بما لا نؤمن به جميعا أمر يثير الأسى، لكنه مرفوض دينا وخلقا ووطنية.
وكما هي الوحدة الوطنية مقدسة، فإننا جميعاً نفخر بحرصنا على هويتنا الوطنية الأردنية، والقلق على هوية الدولة من أي فكر أو إجراء أو تسوية تمس هوية الدولة الأردنية، فهذه الهوية مقدسة والحرص عليها أولوية الأردني، مثلما هو الحرص على الهوية الوطنية الفلسطينية، فعدونا المشترك هو الاحتلال وأطماعه ومخططاته.
من حق كل أردني بل واجبه أن بفخر بهويته الأردنية ويدافع عنها لكن ليس بمواجهة الهوية الفلسطينية بل بمواجهة كل فكر يعمل للتوطين بأشكاله وأسمائه الحركية، ونحن جميعاً في مواجهة لعدو مشترك هو الاحتلال.
الفكر الأردني الذي نؤمن به عربي وحدوي، عنوانه قداسة الوحدة الوطنية، واحترام الحقوق الدستورية لكل أردني وقدسية معركة الحفاظ على هوية الدولة، واعتبار الهوية الوطنية الفلسطينية واستعادة الحق الفلسطيني مصلحة أردنية عليا.
نقيض لعقيدتنا وأخلاقنا وأردنيتنا أن نمس وحدتنا الوطنية، والفخر بالانتماء لهذه الدولة وهويتها ضرورة من ضرورات المواطنة، ولا معركة إلا مع المحتل وأطماعه أو مع من يؤمنون بمخططات وتسويات تكون على حساب حقوق الأردن والشعب الفلسطيني.
لا يمكننا إلا أن نكون في معسكر الوحدة الوطنية واحترام كل مكونات المجتمع، وهو ذات المعسكر الذي يجمعنا في دفاعنا عن الأردن وهويته ومصالحه، أما جدل الفرقة وشق الناس فليس هو ما نؤمن به ولا نمارسه وليس فكر الدولة وقيادتها.
من حق كل أردني أن يدافع عن هوية الدولة، وقلق الأردنيين من كل الأصول مشروع لكنه قلق من عدو مشترك هو الاحتلال، لكن كل صاحب وعي يعلم أن قدرة الأردن على مواجهة التحديات لا تكون دون الحفاظ على وحدته الوطنية، ولهذا فكل من يذهب إلى فهم خاطئ فإن عليه أن ينظر للأمور في سياق متصل وليس من خلال عبارة أو تحليل جزئي.
احترم كل صاحب رأي لكنني جزء من فكر وحدوي أردني عقيدته السياسية قائمة على الدفاع عن هوية الدولة لكن بسلاح الوحدة الوطنية وقوة الدولة وليس بفكر شق الصف - لا قدر الله - ، ونريد أن يبقى الأردن هو الأردن وأن تقوم على ارض فلسطين دولة حقيقية، لا أن يدفع الشعبان ثمناً من هويتهما وحقوقهما لحل مشاكل الاحتلال.
جدل وردود أفعال ربما كان من الممكن تجاوز معظمها فالقصد كان التحذير من تدرج في منح حقوق لأبناء الأردنيات قد يصل إلى حد الجنسيات، أما الذهاب إلى مسارات فهم تمس وحدتنا الوطنية فتلك حكاية خارج سياق عقيدتنا وفكرنا وما تعلمناه من قيادتنا، ومرةً بعد أخرى فنحن فخورون بهويتنا ولا يمكن القبول بأي أمر يمسها، كما هو الحرص على وحدتنا الوطنية.
Samih.m@alrai.com
"الراي"