بدأ حياته طالباً مجداً مكافحاً متفوقاً، وحين ظهر تميزه وصار أول ثلاثة بين أقرانهم، أبتعثه الوطن للدراسة والحصول على علم كان نادراً في حينه، ليعود ظافراً متخصصاً متألقاً،كعادته وصفي.
عمل مدرساً وموجهاً، وضابطاَ ومجاهداً تشهد له قدس الأقداس بذلك، أحتضن فلسطين كأسوارها وتشبث فيها كمثل زيتونها فكان لها ضياء كمصباح في زجاجة، ولقد صدقها الوعد فجاهد لأجل عينيها حتى أتاه اليقين، فكذلك كان وصفي.
كان خبيراً سياسياً فهو من كان يُغلِب صوت العقل والحكمة والمنطق على القوة أو العنف، حتى وأن فعل غيره عكس ذلك، فلم يكن ممن يُضطَر أو يحاصَر أو يُحرَج، إذ أنه كان يتخذ خطاه بعد دراسة وتبصر وقياس نابع عن إطلاع واسع وثقافة عالية ومعرفة وافية بما يجب وما يمكن، وما يناسب وما يفيد أوما يضر، كل ذلك بعد جمع المعلومة الضرورية عن قبيله كبر أم صغر، وكلنا يعلم أنه هو «شهيدنا» من جعل من دائرة الإحصاءات العامة «إحد منجزاته العديدة» حقيقة، تهدف من بين ما تهدف إلى جمع البيانات باستمرار، وتبويبها وتوفيرها بالشكل المناسب للدارسين والباحثين وصناع القرار عند الحاجة.
كان المتكلم المسموع،فإن «قال وصفي» أنصت الأخرون، فهو الناطق عن علم وثقة، الصامت عن فكر وحكمة، فهو المتيقن المتمكن المتعمق بفكره، مؤمن بحقوقه وحقوق غيره،عارف بواجباته وواجبات غيره، كان، وما زال، وسيبقى «فهو الشهيد الحي» عند ربه يرزق.
كان عرينه مقصداً للرجال الرجال، فيوما يجمع الأدباء، ويوما للفقهاء، ويوما للسياسيين، ويوما للاقتصاديين، ويوما المزارعين، أو الصناعيبن، أو الحزبيين، كان لا يُغلَق له باب أبداً أمام المظلومين فهو من نذر نفسه للدفاع عنهم أو يهلك دونهم «رحمه الله»، الكل يذكر أنه كان لوصفي يوم من كل أسبوع يلتقي فيه بدار رئاسة الوزراء المواطنين بغير موعد مسبق في أشبه ما يكون بديوان المظالم، فكان رئيس وزراء عادلا.
مثّل وطنه بإصرار الإبطال أصحاب الحقوق، فهو من كان يؤمن بأن من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلم يتباطأ عن نصرة الحق حتى أتاه اليقين، عرجت الروح لبارئها ووري جسد وصفي الطاهر في أرض الأردن الطاهر، فلقد أحب وصفي وطنه ومواطنيه بإخلاص، فأحبوه وترحمواعليه وبكوه بحرقة، تذكروه وذكروه لإبنائهم وأوصوهم بدورهم بذكره لأبنائهم من بعدهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فحق الشهيد الحياة الأبدية ولقد صدقه الأردنيون حبهم له فهو حي في أحاديثهم ومجالسهم، تماما كما هو حي عند ربه مرضيا.
لقد أصبح بيت الشهيد وصفي متحفا أردنياً يضم أولاً الجسد الطاهر، جسد وصفي التل، رمز العطاء والبذل والتضحية والشجاعة والإقدام، ويضم بعد وصفي، مجموعة من المقتنيات والصور والتحف والكتب والصور والجلسات التي توثق لمرحلة من عمر هذا الوطن المديد بإذن الله التي سيحتاج اليها المتأملون والدارسون والمؤرخون والمخلصون، كلما أرادوا مراجعة أو استذكار أو حتى الإندماج بفكر وصفي.
قد وهب وصفي روحه وحياته حتى بيته للوطن وللمواطن، عن رضى وطيب خاطر، فكم منا من يستطيع فعل ذلك أو ينقص عنه قليلا؟
حقا ان نفس هُمام صيرت هُماما.
(الرأي)