في حرب التصنيفات الحزبية يستخدم المتحاربون كل الأدوات، المباحة وغير المباحة، ويبحثون عن كل الكوادر التي تقبل أن تكون من جنود هذه المعركة غير الشريفة.
من أهم الكوادر التي يبحث عنها قادة هذه الحرب لتجنيدهم هم «المتحوّلون»، أي الإسلاميون الذين تحولوا إلى ليبراليين أو الليبراليون الذين تحولوا إلى إسلاميين، أو أحياناً التحولات داخل التيار نفسه من فصيل إلى آخر.
تنتهز منصات الحرب الإعلامية من الطرفين هذه التحولات، فتقتنص الفضائيات أو الصحف المهتمة (الإسلامي السابق) لتضعه أمام المشاهدين أو القراء مذيّلاً اسمه بلقب: (خبير في الحركات الإسلامية) ثم تمنحه الفرصة كي «ينتقم» من تياره السابق، متحدثاً بصفته «شاهداً من الداخل» عن عنف وفظائع التيار الإسلامي. كما تقتنص بالمثل المراكز «التوعوية» أو الإرشادية (الليبرالي السابق) وتبرزه أمام الحشود مذيّلة اسمه بلقب (تائب)، ثم تمنحه الفرصة أيضاً كي «ينتقم» من تياره السابق متحدثاً كشاهد عيان عن فسق ومجون التيار الليبرالي.
هي لعبة رخيصة بحقّ، تستغل فيها تلك المنصات الحزبية فترة الترنح واللااستقرار عند المتحوّل فتقدم له عرضاً مغرياً لاستعادة وجوده وتكريس هويته الجديدة.
لا شك في أن من يتحول من طيف فكري إلى آخر سيكون من الطبيعي أن يتحدث عن تجربته السابقة ولماذا تحوّل عنها؟ وتأتي هذه الأحاديث أو الكتابات في سياق مراجعة لمرحلة حياتية وتجربة شخصية. لكن الفارق بين العفوي والمفتعل يتبين في السياق الكمي والكيفي للنقد، فالذي ينتقد توجهات ومضامين تياره السابق في سياق نقدي عام للمجتمع بكل أطيافه، غير الذي تخصص فقط في التشنيع على ذلك التيار وإظهار سيئاته من دون سيئات التيارات الأخرى والصمت عن أيّ إيجابية أو حسنة لذلك التيار، وعدم القدرة على قول أي كلمة طيبة أو إنصاف لأيٍّ من رموز وشخوص تلك المرحلة.
هنا، ووفق هذا الشرط، يتحول النقد إلى ثأر، ويصبح هذا «المتحوّل» منجنيقاً في يد قادة حروب التصنيف. في حين كان يمكن أن يُنتفع به بعد تحولّه في تضييق الهوة بين التيارين وتقريب الأفكار.
يرى أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة)، أن «الهوية لا تتحدد نهائياً بل تتكون وتتحول طيلة حياة الإنسان»، وهذه التحولات التي تتم مع الوقت «تُحدث في السلوك البشري تغييرات عميقة، وإن وجدت في كل الأوقات تراتبية معينة بين العناصر المكونة لهوية كل إنسان». وقد رأينا، تبياناً لكلام معلوف، أن عدداً من هؤلاء الأشخاص المتحولين، وإن كانوا قلّة، قد مرّوا في حياتهم بأكثر من حالة تحوّل واحدة، بل ربما رجعوا في تحولهم الثالث إلى تيارهم الأول، ولطالما شكّل هذا التحول المتعدد مأزقاً لتلك المنصات الانتهازية!
لا يغيب عن الذهن، في هذا السياق النقدي، الإشادة بنماذج من الذين مرّوا بحالة تحول في الانتماء الأيديولوجي، لكنهم تعايشوا مع طيفهم الجديد بسلام داخلي واستقرار لم يعكّره الإنجرار للثأر الدائم من الطيف السابق.
بمثل هؤلاء المسالمين يمكننا أن نواجه حرب التصنيفات.
(الحياة اللندنية)