هل قطعت جُهينة قول كل خطيب؟!
جهاد المنسي
05-02-2014 03:19 AM
أشعلت الجولات العشر التي قام بها وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ساحتنا الداخلية؛ بتحليلات وتوقعات واجتهادات واستنتاجات، ترافقت مع غياب للمعلومة حول فحوى وطبيعة تلك الزيارات، وما يحمله الوزير الأميركي في جعبته من حلول.
بطبيعة الحال، وفي ظل الاعتماد على ما يتسرب في صحف عبرية حينا، وغربية حينا آخر، ومعلومات محلية من صالونات سياسية، تعتمد على التحليل والتوقع، من دون أن يكون لها تماس بالحقيقة والواقع؛ فقد ذهب البعض بعيدا وشطح في تحليلاته. فظهر عند هذه القلة الثقب الأسود المركون في خلايا أدمغتهم، القائم على رفض الآخر، والتقوقع، والعيش في إطار فكرة المؤامرة الكونية المستمرة.
وأعادوا كل تقدم ديمقراطي أو إصلاحي يحصل، وكأنه مقدمة لأمر جلل قادم، وخطر يخطط لتدمير الدولة ومكوناتها، فبرز سم الخطاب من أفواههم.
هؤلاء، لا يشكلون رقما يمكن البناء عليه. ويجدون في إثارة النعرات الجهوية والإقليمية والعصبية سبيلا لإعادتهم لواجهة الحدث. ويتوهمون بأن تلك الخطابات يمكن أن تبني لهم مكانا، وهم واهمون.
مقابل هذه القلة، ظهر من يبحث عن المعلومة المفقودة، ويريد أن يعرف حقيقة ما يحصل، وما يحمله الوزير الأميركي في جعبته.
وفي ذهن هؤلاء ما في ذهنهم، عن انحياز أميركا الدائم لإسرائيل، ويقينهم أن أي حل أو إطار تفكر فيه الولايات المتحدة لا يمكن أن يكون لصالح العرب وشعوبهم، وإنما سيكون، بحكم انحياز "العم سام" الدائم لإسرائيل، لصالح الدولة الصهيونية، وبما يحقق لها أمنها ويمنحها سلما واستقرارا، من دون النظر لأمن واستقرار دول الجوار.
ولأن الحكومات الحالية، وسابقاتها، اعتادت على عدم الشفافية والضبابية، فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وخططها، فإن الريبة والشك والخوف كانت سيد الموقف، وخاصة في ظل صمت الحكومة غير المبرر، وعدم الرد على كل ما قيل في الإعلام الغربي والعبري، حول بقاء قوات إسرائيلية غرب النهر، وما يتعلق بحقوق اللاجئين وغيرها، وهواجس الوطن البديل.
أخيرا، ظهرت الحكومة، وأعلنت تحت قبة مجلس النواب موقفها من جولات كيري، وما تحمل جعبته من أفكار، ورؤيتها (الحكومة) للحلول المقترحة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي القائم منذ ما يقرب من 65 عاما، والذي تحول من صراع عربي-إسرائيلي إلى صراع فلسطيني-إسرائيلي، بعد أن تخلى كثير من العرب عن مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، لا بل باتوا يمارسون ضغطا على الجانب الفلسطيني للقبول بأي حل أو إطار، بدلا من أن يمارسوا ضغوطهم على إسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية.
ظهرت الحكومة أخيرا في المشهد. وأن تأتي متأخرا خير من لا تأتي أبدا. وعد وزير خارجيتنا الذي من المفترض أن يكون أكثر شخصية سياسية مطلعة على ما يجري، على مسامع النواب، المحددات الأردنية لأي مفاوضات سلام، أو اتفاق إطار، وجدد رفض فكرة الوطن البديل، أو الاعتراف بيهودية إسرائيل، وأكد على حق العودة والتعويض، كما أكد على أن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، وكذلك على دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.
ما قاله وزير خارجيتنا ناصر جودة للمشرعين حول موقف الأردن، كان إيجابيا. وبحق، أدخل الطمأنينة عند نواب كثر، وجعل بعضهم يخفف من مداخلاته حول الموضوع. لكن الوزير جودة في كل مداخلته لم يتحدث عما في جعبة كيري من حلول، وما يقدمه من أفكار.
الوزير جودة تحدث عن الموقف الأردني، وهذا أمر جيد وإيجابي. ولكنه في الوقت عينه، لم يقدم للنواب صورة عن جولات كيري، وحقيقة ما يحمله من اقتراحات يجري الحديث عنها في صحف العالم.
بالمجمل، نجحت الحكومة التي جاءت متأخرة كثيرا، في توضيح الموقف الرسمي الأردني للرأي العام وللنواب. ولكن، هل نجحت في وضع الناس في صورة ما في جعبة كيري من ملفات؟ وهل قطعت جهينة قول كل خطيب؟!.
(الغد)