أعترف أنني كلما اقتربت من الإشارة الضوئية أسرع بالدوس على البنزين قبل أن تشير إلى اللون الأحمر، وإن فاتتني الفرصة أسارع إلى إغلاق النوافذ.
لم يعد ثمة طريقة أخرى لتجنب الانقضاض عليك من أية نافذة وأنت تقف على الإشارات الضوئية. ناهيك عن المتسولين والحاحهم غير البريء فإن الاشارات بصراحة لم تعد محطة قصيرة للانتظار فحسب، إذ عليك أن تهيء نفسك للعديد من المفاوضات والمفاصلات والدعوات الصالحات والطالحات.
بيع الورود بالوانها وأشكالها هي الظاهرة الوحيدة التي أشعر بتسامح حيالها، على الأقل فإن منظرها مبهج وألوانها تبعث في النفس الراحة بفترة الانتظار، مع أن كثيرا من السائقين يتابعون بنظراتهم بائع الورد وهو يتجوّل بين السيارات إلا أن أحداً لا يشتري، فلم يعد اقتناء الورود ضمن أساسياتنا في الحياة.
تصرفات بعض مندوبي الجرائد على الاشارة الضوئية تحتاج لوقفة، فإن شكرته وأخبرته أنك اشتريت الجريدة للتو أو أنك لا تريد شراءها، يبدأ بالإلحاح واستدرار العطف على طريقة المتسولين.
بائع الفراولة المصبوغة يضعك تحت الأمر الواقع ويباغتك بوضع بضاعته داخل السيارة، ولأن الوقت لن يسمح بالمفاوضة أو الرفض ترضخ لنقده الثمن سريعاً.. بائعات الملوخية والميرمية والزعتر كذلك، ومعظمهن سيدات كبيرات في العمر، لكنني أشعر أنني أوهن من أن أردّهن خائبات.
في معظم الوقت فإن الانتظار على الإشارة الحمراء يصير عبئاً، متسولون ومتسولات وآخرون يبيعون العلكة والمناديل الورقية والشمسيّات والقبّعات وغير ذلك، أمّا أسوأهم من يبتزّك أمام أطفالك لشراء ألعاب رديئة الجودة لا تساوي قيمتها: طرق نافذتي فقلت شكراً لا أريد، لكنه أهملني وبدأ طرق الزجاج الخلفي لاستفزاز طفلتي التي بدأت تبكي رغبة بالشراء.
ذلك كله يبقى هيّناً أمام مجموعة صبية يرتدون أحذية التزلج ويتعلقون بأية سيارة عند انطلاقها، لينطلقوا كالريح وهم يمسكون بها، وقد تحدثت عن هؤلاء ورعونتهم في مقالة سابقة.. الوقوف على الاشارة الضوئية بات أمراً مزعجاً.
(الرأي)