سيكولوجية البيئة السياسية للدولة الفلسطينية
د.حسام العتوم
05-02-2014 02:23 AM
عندما كنا نحن الأردنيين وأشقاءنا الفلسطينيين نعيش تحت مظلة المملكة الأردنية الهاشمية الواحدة قبل وبعد نكبة عام 1948 التي أطاحت بحوالي 80% من أرض فلسطين التاريخية لم يكن موضوع الدولة الفلسطينية مطروحاً على خارطة أرض الصراع العربي مع إسرائيل الكيان والدولة الاحتلالية وهو ما لفت انتباه الصهيوني السياسي الرئيس حالياً شيمون بيريز، وكانت الإجابة بأننا بالفعل نعيش حالة الشعب المندمج الواحد التي يصعب تفكيك نسيجها، وهي المرتكزة على التاريخ العريق 5000 قبل الميلاد منذ أيام إنسان الهكسوس وكنعان، وعلى الدينين المتلاحمين والمتقاربين المسيحي والمسلم، وعلى عادات وتقاليد متشابهة، ولغة عربية واحدة رغم اختلاف موسيقى اللهجات الجغرافية، لكن في ميلاد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) تاريخ 10 أكتوبر 1959 بجهد محمد القدوة الحسيني الذي لقب مبكراً بأبو عمار ولاحقاً (بعرفات) و(الختيار) وخرج من وسط حياة شعب المناضل والبطل شهيداً إلى جانب خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن وفاروق القدومي، وفي إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية على أرض الكويت عام 1964 أي قبيل نكسة عام 1967 و ضياع كامل فلسطين إلى جاني الجولان وسيناء آنذاك، وفي انعقاد مؤتمر الجزائر العربي عام 1973 وتبني الاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني الذي تم تعميده في قمة الرباط عام 1974، وفي منح فلسطين صفة مراقب وفي الأمم المتحدة عام 1974، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال والمناداة بحق العودة وبإقامة سلطة وطنية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني المحرر شكلت بداية لانطلاقة ميلاد لمطالبة بدولة فلسطينية ذات سيادة على حدود الـ 1976 وعاصمتها القدس الشريفة.
الدكتورة مديحة المدفعي في كتابها (الأردن وحرب السلام) ص.7 كتبت تقول: في الحادي والثلاثين من تموز 1988 أعلن جلالة الحسين فك الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية المحتلة، وبالطبع فإن مثل هكذا قرار صعب لم يأت من فراغ بل انطلق من مؤتمر الرباط المشار إليه هنا سابقاً نفسه وقاد حسب رغبة العربي إلى فتح الطريق مجدداً أمام انشاء الدولة الفلسطينية المستقبلية وهو المطلوب، لكنه وضع القضية الفلسطينية برمتها بين فكي الحوت الإسرائيلي والمسؤولية هنا يتحملها العرب ولا أحد غيرهم، والتاريخ الصهيوني كما يقول زيد الرفاعي هنا في هذا الكتاب ص.35 اعتمد على ثلاث شخصيات بارزة وهم هيرتزل الذي صاغ الفكرة وبن غوريون الذي أسس دولة إسرائيل وكيسنجر الذي عزز مؤسساتها وأمدها بالقوة، وفي هذا السياق يكتب د. مروان المعشر في كتابه (نهج الاعتدال العربي ص.39): بأن مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 شكل حافزاً للأردن كي ينظر عن كثب إلى مصالحه، وأصر الأردن والفلسطينيون عقب مؤتمر السلام هذا على إجراء مفاوضات على مسارين منفصلين أردني – إسرائيلي و فلسطيني – إسرائيلي، وتكون اقتناع لدى الوفد الأردني المشارك في أوسلو 1993 بأن اعتراف إسرائيل بالفلسطينيين هو أيضاً لمصلحة الأردن، ويساعد على وضع حد نهائي لمفهوم اليمين الإسرائيلي بأن الأردن هو فلسطين، وفي صفحة 41 من كتاب د. مروان المعشر نفسه نقرأ رسالة وجهها الملك الراحل الحسين إلى رئيس الوزراء عبد السلام المجالي عام 1997 اعتبرت أن المصالح الأردنية في أي تسوية نهائية تتمحور حول سبع مسائل: القدس، اللاجئون، الحدود، المستوطنات، المياه، الأمن والسيادة، ولهذا انطلق الأردن جدياً لتحقيق حل الدولتين.
تاريخ 26 أكتوبر 1994 معاهدة سلام مع إسرائيل ليثبت حدوده وحصته المائية وليطمس وللأبد مشروع الوطن البديل سيء السمعة لكافة أطراف الصراع في منطقتنا الشرق أوسطية، وسبق للأردن أن ساهم بقوة في صياغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الداعي لكي تنسحب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في الحرب مقابل حصولها على السلام وبهذا تكون قد سبقت زمن المبادرة العربية التي اطلقتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2004 وهي التي لم تصغي لها إسرائيل إلى جانب رفضها الاستماع لكافة قرارات مجلس الأمن 338 وقرار الأمم المتحدة 194 الخاص بعودة اللاجئين.
الكاتب الأردني حسني عايش كتب في كتيبه (وهم الوطن البديل) ص19: بأن المستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا في كتابه (العرب وجهة نظر يابانية 2003) كتب يقول: "قبل ستة عشر سنة أقمت في سورية عشرة شهور متتالية، وفي دمشق طلبت من أحد الأصدقاء أن يأخذني إلى مخيم اللاجئين الفلسطينيين فقادني إلى مخيم اليرموك، وهناك زرنا بيتاً فلسطينياً على أطراف المخيم، لاحظت أن البت مسقوف بمواد خفيفة ربما من التوتيا أو ما شابه، استغربت الأمر وسألت صاحب البيت الخمسيني عن السبب فقال لي: (هذا بيت مؤقت، بيتي الحقيقي هناك في فلسطين نحن نسكن هنا بصورة مؤقتة وسنعود إلى ديارنا عاجلاً أم آجلاً، وإذا وضعنا سقفاً بشكل كامل فهذا يعني أننا نتنازل عن العودة، إننا نحتفظ بإدراكنا أن هذا المكان مخيم)، يواصل الياباني هنا القول.. كان عند الرجل شيء نفسي ليرني إياه، غاب قليلاً في غرفة داخلية وعاد معه مفتاح بيته في فلسطين، وقال وهو يعرضه أمامي: كلنا نحتفظ بمفاتيح بيوتنا، نحن هنا بصورة مؤقتة، تلك الحكاية البسيطة مشتركة عند عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، وفي ص 16 من كتيب حسني عايش هذا نقرأ تصريحاً لوزير الخارجية الإسرائيلي الأكثر تطرفاً يمينياً افيغدور ليبرمان يرفض فيه دعوة رفاقه إلى ما يسمى بالخيار الأردني أو دولة فلسطينية في الأردن حيث قال هنا بأن هذا الطرح يسيء إلى إسرائيل لأنه يتناقض مع القانون الدولي، ومع اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل سنة 1994، وأهم من هذا أنه يمس المصالح الأمنية لإسرائيل، وأضاف قائلاً: إن دولة فلسطينية تمتد على طرفي نهر الأردن ستكون متشددة وتسبب احتكاكات لا تتوقف مع إسرائيل (المصدر: جريدة العرب اليوم 17/11/2011)، ويقول الكاتب والمعلق السياسي الإسرائيلي المعروف ايتان هابر في صحيفة يديعوت احرونوت حسب جريدة الغد 11/4/2012: (إن من يعلن أن الأردن هو فلسطين يضعضع بسخافته استقرار المنطقة برمتها، والذين يظنون في إسرائيل أن الأردن هو فلسطين سيحظون بخراب البيوت، وفي المقابل نعرف بأن حزب اهتيكفاهب الإسرائيلي اليميني المتطرف ومن خلال ممثلة في الكينيست ارييه الداد هو صاحب برنامج تهويد فلسطين وتفريغها من العرب إلى جانب أسماء عديدة إسرائيلية مثل نتنياهو وأوروبية وأمريكية غيرها متطرفة تساند فكرته الحمقاء، والآن تطل علينا أمريكا برأسها من جيد من خلال وزير خارجيتها جون كيري فماذا يريد؟ وما هو حجم الرد الشعبي والرسمي العربي عليه؟
مشكلة وعقدة المسألة الفلسطينية الأكثر تعقيداً في العالم أنها وضعت نفسها في السلة الأمريكية الواحدة المتعاطفة مع إسرائيل الاحتلالية وأشركت دول الجوار الفلسطيني بنفس الاتجاه أو يراد لها ذلك، بينما العالم اليوم تغير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وأصبح معدد الأقطاب بدخول روسيا وإيران والصين وأوروبا والهند إلى حلبة السياسة، وبالمناسبة العالم لم يكن قطباً واحداً حتى قبل ذلك لكن أمريكا التي نصادقها في الشرق توّجت إمبراطوريتها حاكمة للعالم في الوقت الذي نعرف فيه بأن الصهيونية المتمركزة في منظمة ايباك وفي الكونغرس الأمريكي وفي الغرب وفي الشرق هي حاكمة العالم الحقيقية، وعودة على مشروع كيري السطحي وبنوده التسعة التي قوبلت برفض رسمي وشعبي عربي عارم أقول بأنه إسرائيلي بامتياز وهو يرتكز على تبادل أراضي يسمح لإسرائيل بالسيطرة على 6.8% من أراضي فلسطين الـ67 مقابل السماح للفلسطينيين بإعادة سيطرتهم على 5.5% من أراضي فلسطينهم التاريخية المسماة بإسرائيل احتلالياً وهو أمر يتجاوز تفسير الماء بالماء وفيه تطاول صارخ على هيبة الدولة الفلسطينية القادمة بعون الله، والممر الآمن يجب أن يتم الاتفاق حوله مع صاحب الأرض الفلسطينية المواطن قبل السياسي للربط بين غزة ورام الله، والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية لا يملك أحداً إدارتها غير الفلسطينيين، وتوطين الفلسطيني في أستراليا أمر مستهجن ويتنافى أخلاقياً مع حق العودة المقدس والذي هو أهم من حق التعويض الواجب أن يرافق حق العودة أيضاً، والأردن وجيشه الباسل قادر على حماية غوره، واخلاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية شرط أساسي لحوار السلام والاتفاق لاحقاً على مخرجاته، وهكذا دواليك حتى يتم احقاق الحق والعدل والسلام الدائم والشامل.