منظومة المكانات الاجتماعية
د. سامي الرشيد
05-02-2014 02:19 AM
العمل الجماعي يتطلب درجة من الثقة بالنفس والاستعداد لتحمل المشاق وتوزيع الموارد بصورة مقبولة، ويكون مستحيلاً بين الأشخاص الذين يعانون فقراً في الإحساس بالأمان الذاتي والرغبة الشديدة في الزعامة والسيطرة، واعتبار أن جلوسهم على مواقع السلطة والسيطرة على مفاتيح التنظيمات التي يشغلونها يشبع غريزة تحقيق الذات، وهي غريزة لا تقل في سطوتها عن غريزة الطعام والشراب.
حتى ندفع بالمجتمع نحو التفدم يجب ان يكون هناك عملا توافقيا فغياب التوافق يعني العودة الى ما قبل الدولة الحديثة والى مجتمع الأنتماءات الاولية والروابط العشائريةالتوافق هو عملية جدلية مبدعة لتجديد الحياة المشتركة بين المختلفين من المواطنين ومن خبرة العالم الذي قطع شوطا في القدرة على دمج مواطنيه في ابنيته المختلفة بالرغم من اختلافهم على أ سس حداثية طبقية وفكرية وسياسية.لا ما قبل حداثية تقوم على رابطة الدم والعشيرة والاهل وغيرهاالتوافق هو الاساس الصلب الذي تنطلق منه كل العلاقات المجتمعية.فلا حياة دون توافق في حياتنا اليومية وفي علاقات المواطنين بعضهم البعض , اخذين بعين الاعتبار الاختلاف بين هؤلاء المواطنين هو الاصل وليس التشابه .
ومن ثم تكون مهمة التوافق للتقريب بين الاختلاف مهمة وطنية.
التوافق ايضا لا يعني التطابق ولكن يثمن التنوع .والاختلاف يوظفهما من اجل الخير العام .وعليه لا بد من الاعتراف بأن جوهر الاجتماع السياسي يقوم على التنوع والتعددية.
قال ابن خلدون أن العصبية مصدر للقوة والغلبة والتمكن، أي انتماء الإنسان لطائفة أو فئة أو عشيرة يجعل له الحيثية والمكانة والقوة.
أما التماسك التلقائي أو الفطري القائم على علاقات غير اختيارية مثل تماسك وتضامن أبناء الأسرة أو العشيرة الواحدة هو الذي يسيطر على المجتمعات التي لم تشهد تطوراً كبيراً ولا تشعباً وتعقيداً لمنظومة المكانات والوظائف والمهن والمؤسسات.
التماسك العضوي أو المؤسسي المبني على المصلحة المشتركة وتقاسم الأدوار، هو تماسك يتطور بتطور المجتمعات وتعدد مؤسساتها ومختلف مكوناتها حيث يجتمع الأفراد، لا حول الروابط الدموية أو الجيرة فحسب، وإنما حول الأيدولوجيات كالنقابات والأحزاب والاختصاصات والمهن والقضايا المتعددة التي تتكاثر بفعل التطور اللانهائي للمجتمعات العصرية.
وحتى نبتعد عن العصبية التي تولد التطرف والعنف، فنتذكر مثلاً أن غاندي كان قد تجاوز عصره الذي يتميز بالعنف، فكان يدعو إلى المقاومات السلمية أي اللاعنف، في مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي، وكان يقول نلسون مانديلا ينبغي أن نتذكر أن فلسلة غاندي قد تكون مفتاحاً لبقاء البشرية في القرن الواحد والعشرين.
حيث اللاعنف هو المضاد الحيوي للظلم الاجتماعي والسياسي.
حيث إنه كامن في العلاقة العضوية بين اقتصاد السوق الحر والثورة العلمية والتكنولوجية، الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلى البطالة والإحساس بعدم الأمان والتوزيع الظالم للثروة وامتلاك الأسلحة النووية.
وكان غاندي يؤمن بأضعاف سلطة الدولة في المدينة والعودة للقرية، ويقول إنني لا أسمح بأن تنتج المدينة ما يمكن أن تنتجه القرية، لأن إنتاج القرية يشبع الحاجات الأساسية بينما إنتاج المدينة يشبع الرغبات، وثمة فارق كيفي بين الحاجة والرغبة، إذ الرغبة تولد الشراهة بينما الحاجة تولد الاكتفاء، وتكون الحضارة ملازمة للقرية.
نعم لابد أن نطور القرية ونبقيها تقوم بحاجاتها الأساسية ولا نتركها تعتمد على المدينة كما هو حاصل الآن وندعو للهجرة العكسية من المدينة للقرية ونطورها وننميها، ولكن الثورة العلمية والتكنولوجية هي إفرازات المدينة، فلا ننقصها حقها في انفجار المعرفة وثورة الكومبيوتر والجامعات وتطور العلوم التي تعكس الخير على المدينة والقرية والجميع.
كل ذلك يصب في منظومة المكانات الاجتماعية التي تدعو الجميع للتكاتف والعمل المؤسسي الجماعي لخلق دولة حديثة تنادي بالمساواة والعدالة وتضم كل شرائح المجتمع حيث يتسع الوطن لهم بترابطهم وتوافقهم للتعاون والعمل البناء.