أمس، حضر وجهاء وممثلو عشائر الحويطات لرئاسة الوزراء، واجتمعوا مع الرئيس عبدالله النسور، للتباحث في الأزمة التي أثارها قرار الحكومة، بتوزيع أراض على أهل مدينة معان. وكان من المفترض أن يُعقد اجتماع في المدينة ليلة أمس، لشرح آلية توزيع الأراضي، لكنه تأجل حتى صباح اليوم.
بالنتيجة، فإن الحكومة خلقت أزمة من قرار لا أدري ماذا كانت تتوقع من نتائج إيجابية له!
وأكثر ما يثير حفيظة سكان البادية الجنوبية، هو موقع المستشفى العسكري الذي كان من المفترض أن يُقام، بحسب توجيهات الملك، في منطقة مثلث العنيزة، وليس في مدينة معان؛ ليخدم كامل سكان المنطقة، من أبناء معان وأبناء البادية.
بموجب قرار تخصيص الأراضي، سيحصل كل معاني على دونم أرض. والهدف هو تحسين حياة السكان في تلك المنطقة.
إلا أن النتائج جاءت بما لا تشتهي السفن، فتسبب القرار بمشكلة جديدة، تضاف إلى مشكلات سابقة، ما زاد من حالة الاحتقان، وأدى إلى إعادة توتير الأجواء في الجنوب، الذي يعاني من خلافات ومواجهات لم يمضِ عليها أشهر.
للأسف، القرار وتبعاته لم يُدرسا جديا. ومن اتخذ القرار، لا يعرف طبيعة الأردن؛ بتركيبته السكانية، كما طبيعة العلاقات التي تربط بين مكونات المجتمعات المحلية. إذ كيف يفكر أحد في منح أبناء معان أراضي في مناطق الواجهات العشائرية لعشائر الحويطات، مع التحفظ على الفكرة كاملة؟!
وفي حال كان الهدف هو تحقيق التنمية، فإن هذا ليس هو الأسلوب العلمي لتنفيذ الخطوة. ففي كثير من الدول، قامت حكومات بتوزيع أراض، لكن ضمن معايير وأسس تضمن زيادة الإنتاجية، وإقامة مشاريع حقيقية تسهم في تحسين حياة الأسر.
أما أن نعود إلى العقلية القديمة، من دون تخطيط للخطوة وقياس لنتائجها، فذلك ليس إلا ردة عن كل الحديث بشأن رفع الإنتاجية وتوجيه الموارد لتوفير فرص عمل حقيقية.
التبعات التي لم تؤخذ بعين الاعتبار أيضا، هي تلك المتعلقة بباقي الواجهات العشائرية. إذ إن الخطوة في معان ستفتح الباب قريبا لدى عشائر أخرى، للمطالبة بالحصول على ذات الامتياز.
ما يفتح باب الأزمة، ويجعلها عرضة للاتساع في مختلف مناطق المملكة، تماما كما حدث في فترة فصل البلديات.
ملف الواجهات العشائرية لم يُغلق بعد، وتم تعليقه خلال العام الماضي، من دون أن يحسم. وكان أغلب الظن أن القصة حُسمت، ولم يعد بإمكان العشائر معاودة المطالبة بالواجهات، حتى جاء طرف ما ليفتح هو الباب بنفسه، من دون إدراك لحساسية وتعدد حسابات مثل هذه القصة.
الحل يتمثل في مراجعة القرار, ووضع خطة متكاملة للفكرة، بعد أن تنضج، وتتم بلورة فائدة حقيقية منها للاقتصاد، تتجاوز جوائز الترضية.
ويكون ذلك بوضع تصور يشمل مختلف المناطق، وتقدم الأراضي، تالياً، وفق شروط ومعايير تخدم الجنوب وأهله جميعا، وتعطيهم قليلا من الاستقلال الاقتصادي؛ كما تبتعد خطوات عن فكرة الدولة الرعوية التي ما إن ننتقدها ونرميها من الباب، حتى نعود ونُدخلها نحن بأيدينا من الشباك!
إصلاح الحال في معان وفي الجنوب عموماً، لن يتم بدونم أرض، بل هو يحتاج إلى خطة إنقاذ للإقليم كله، يتم بموجبها اعتبار الجنوب وحدة واحدة، وتركز على تحسين مستوى معيشة أهله؛ فتجمعهم على أن مصيرهم واحد، ولا تفرقهم كما حدث مع موقع المستشفى والأراضي.
وإصلاح أحوال الجنوب لا يتم بإجراءات عشوائية غير مدروسة الأثر، فالوضع هناك أخطر مما يخطر ببال. وبدلا من اللجوء لأساليب اتبعها الأجداد، نتمنى أن يجتهد المسؤولون لتقديم رؤية إصلاحية تقدمية لصاحب القرار، تنتشل الجنوب من حاله الصعبة.
(الغد)