يبدو أن الكثير من الشخصيات السياسية التي تَصَدَرتْ وتَتَصَدَر المشهد الأردني باتت مرهقة لكثرة ما خاضت من حروب مع ضمائرها ومن كثرة كيد الدسائس لبعضها البعض بما يستنزف ذكاء وشجاعة وشهامة وحرص(إن وجد) الكثير منها ويستغرق الهامش المخصص لخدمة الوطن إن تذكروه وهم مستغرقون في تحقيق مصالحهم ومصالح أنسابهم و أقربائهم وأصدقائهم وتسويق انتمائهم وإخلاصهم للوطن والتغني بمواقفهم التي حافظت على تماسك الأمة ومنعتها من الضياع حتى باتت انجازات الأجداد ترجمة لرؤاهم وأفكارهم , ولسوء حظوظهم فنحن نعرفهم جيداً ونعرف إمكانياتهم المتواضعة !!! ونعرف أنهم ليسوا مُصلحين ولا ملائكة ولا قديسين بل إن سلوك الكثير منهم أقرب إلى سلوك الشياطين!!!..
يتناوبون على المواقع !!! يُجسدون الفشل والفساد في كل موقع يحلون به ، حتى بات الجميع يظن أن هاتان الصفتان ( الفساد والفشل) أو إحداهما على الأقل شرطاً للبقاء والاستمرار في الصدارة والاحتفاظ بها أصبح نهجاً وتكريساً للدولة العميقة كما يسمونها تلك التي تحتفظ بنهج وسياسة ثابتين مهما اشتدت عواصف التغير , ويبعدون من حساباتهم الاستعانة بمن يملكون قسطاً من المعرفة والخبرة والانتماء ويملكون وسائل التحقيق وأساليب البحث والاستقصاء مهما بلغت أهمية القضايا ودرجة تعقيدها وحاجتها إلى أمثالهم وغالباً ما يتوجهون إلى ترجيح كفة العلاقات الخارجية على حساب الاتجاهات والقضايا الداخلية بعد أن أصبح صعباً معها التصدي لقضايانا الداخلية والمصيرية , وغالباً ما يستخدم ساسة دول العالم الثالث ومسئوليها دبلوماسية ما وراء الكواليس وهي الدبلوماسية التي يستخدمون فيها التقيا فتعلن القرارات الشعبوية وتُطَبقْ باقي بنود الاتفاقيات والامتيازات والمواثيق والعقود الموقعة دون إعلان وهو سلوك يرفضه الذوق السليم والمنطق القويم و يفسر بتململ وشك الكثير من المواطنين حيال ما ينشره الرسميون من تفسيرات للعديد من الأزمات وأصبح الوطن مزرعة لهم يرثونه كابراً عن كابر ، وأصبحت الأمم تدعى أُمم فاسدة و أُمم فاشلة نسبة لهم ، وفي العادة الأمم لا تنسب لها أفعال أفرادها وتنسب لها أفعال قادتها وتوسم بسماتهم !!!.
وبعد توصيف الحال و فشل الحكومات في تشخيص الداء ووصف الدواء وقد وصلنا لما ترون فإن على حكومة دولة الرئيس النسور إن أطال الله في عمرها كما يتوقع الرئيس وهو يتحضر لإجراء التعديل و قبل فوات الأوان ( إن لم يكن قد فات ) تحديد معالم وحدود القضايا التي تورق الوطن ، وعليها أن تطلق العنان للقوى الوطنية المؤهلة والقادرة على التعامل مع هذه القضايا بما يكفل السير باتجاه إنهائها والتفرغ لرسم مستقبل واعد لأبناء الأمة بما يدلل وفقاً لمعايير قابلة للقياس معرفة هل نسير فعلاً باتجاه الأهداف ؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فما الذي تحقق وهل تم بطريقة اقتصادية ( أقل وقت.. أقل جهد .. أقل تكاليف ).؟؟. و على الحكومة أن لا تركن لخوف الأردنيين من مُخرجات الربيع العربي واستمرار قبولهم للممارسات البائسة للحكومات المتوالية حيث لم يكن ربيعاً ولا يحزنون !!! وحتى لا يصل الناس إلى اليأس فاليائس لا حدود لشجاعته ولا ضوابط لجرأته وإن كان هذا الربيع جملة من الدسائس والمؤامرات حيكت في دهاليز القصور وأقبية المخابرات واستطاعت إسقاط بعض الأنظمة ( التي راهنت طويلا على تقوقع وعي الناس وقبولهم بواقعهم ) وأقامت بديلاً عنها أنظمة ديكتاتورية ساذجة ولم تكن هناك ثورة محددة الأهداف تملك البرامج والحلول للمشاكل السياسية والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الشعوب , تلك المشكلات التي أدت إلى وجود الثورة واستبدال أنظمة الحكم ، فعلى الصعيد السياسي لم تعمل على تطوير نظام دستوري يُخلد منجزات الثورة ويُحافظ على مكتسباتها لِطَمْئَنِتْ الناس وإقناعهم بعدم العودة إلى سيئات الماضي و حتى لا تضطر الثورة لاعتماد القمع والإرهاب كبديل يجعل الناس يتوقون إلى نار النظام السابق باعتبارها جنة إلا أنها خلقت وعياً للمواطن يستطيع بموجبه المُطالبة بحقوقه كاملة غير منقوصة .
وهنا لابد من التنبيه إلى أن استمرار الحكومات في تجاهل مطالب الإصلاح والتشجيع على ممارسة النشاط السياسي الموالي للحكومات بتشكيل المنظمات الشعبية والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الفاقدة للهوية وإقرار بعض التعديلات الدستورية والإصرار على قوانين انتخاب هزيلة لتكرار نفس الوجوه التي اعتادت على قبول وتغطية فساد الحكومات وممارساتها، واستمرار التعامل على قاعدة تبادل المنافع لاستغراق انجازات الأمة وإهدارها ووضعها في المكان الخاطئ وأن عمل على استرضاء بعض المتكسبين و زيادة مولاتهم لمصالحهم على حساب الوطن فإنه بالمقابل سيضاعف قوى المعارضة الفاعلة وسيزيد سخط الشارع وأن كبح جماح المعارضة وإضعاف قدرتها على الصمود بالقمع والإرهاب دون الجنوح إلى إصلاحات حقيقية وانجازات ملموسة لن تمنح الحكومات قاعدة حكم تمكنها من الاستمرار في ظل كراهية الشعوب وعدم قناعتها بما تقوم به مهما حاولت تسويقه وتزينيه ومهما أضافت من الإكسسوارات وأدوات الزينة إليه ( وكما رأينا في نتائج الاستفتاء لمركز دراسات الجامعة الأردنية حول تقيم الأداء الحكومي ) وأُحذر الحكومة من أن استمرار تدهور الحالة الاقتصادية بفعل الإجراءات الحكومية البائسة تحت شعارات لا تَمُتْ للواقع بصلة وتعكس انعدام الرؤية لدى الحكومة والذي بات واضحاً وجلياً بعد مناقشة موازنة عام 2014 والتي جاءت بأرقام للعجز أكثر مما كان عليه في حساب إعادة التقدير لعام 2013 بما لا يدع مجالاً للشك بأن رفع الأسعار وفرض الضرائب ورفع الدعم عن سلع الفقراء لا يعالج الوضع الاقتصادي للسوق التي تمر في حالة انكماش بما يقتضي تأجيل هذه السياسات واستعمال سياسات توسعية معاكسة لها تماماً في الأثر من شأنها المساعدة في علاج الوضع المُتردي للاقتصاد الأردني وأن على الحكومة أن لا تضع سياسة أو تتخذ قراراً دون تحديد أثر ما تنوي القيام به المباشر وغير المباشر على الشعب حتى لا تضطر للدخول في سياسة الإسترضاءات والمساومات التي لن تزيد الموقف إلا تعقيداً وستدفع الحكومة الثمن غالياً بعد أن تكون قد أنهكت الوطن وأساءت للمواطن الذي يعتبر رضاه الركيزة الأساسية لبقاء الحكومات واستمرارها في الدول التي تحترم مواطنيها وأرائهم ونتائج استطلاعها .