"قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"، حكمة تنطبق على واقع راهن نعيشه محليا وإقليميا وعربيا، فلطالما أنجرّ البعض وراء وجوه زائفة حاولت خداع الناس طويلا باستخدام مساحيق تجميلية حينا، ومعسول الكلام حينا، ومواقف شعبوية أحايين أخرى.
أقليميا... كشف مؤتمر جنيف 2 للسلام حول سورية الوجه الحقيقي لتنظيمات تقول إنها معارضة، وتتحدث عن السلام وحقوق الإنسان وقهر النظام السوري لها، وفي نهاية الأمر ترفض إدانة الإرهاب في سورية، واعتبار أولئك المأجورين الذين قدموا للشام من كل أصقاع الأرض قتلة وارهابيين، وهم الذين قتلوا على الهوية، وأعدموا بلا محاكمة، واغتصبوا بلا وجل، وعاثوا فسادا وإفسادا لتنفيذ ما يأمرهم به أسيادهم الذين يمدونهم بالعتاد والمال لتحقيق مطامعهم في رؤية عالم عربي مشتت الأوصال، متباعد الأفكار يعبث فيه شيطان الجهوية والفئوية والطائفية والإقليمية والعنصرية، والجهل والتخلف.
الأنكى أن أولئك يجدون دعما من أقلام ينطبق عليها مقولة الكاتب الانجليزي جي كيه شسترتون الذي قال "ليس الأمر هو عدم رؤيتهم للحل، بل عدم رؤيتهم للمشكلة".
أنا ضد الديكتاتورية وضد حكم الفرد، وضد حبس حرية الإنسان، وأدعو لإطلاق حرية التعبير في كل مكان، وأؤيد بشدة الدولة المدنية والحضارية، التي تتسع لجميع أبنائها وطوائفهم ومعتقداتهم، وادفع باتجاه أن تعم الديمقراطية الحقيقية سورية من أقصاها لأقصاها وكل الوطن العربي، ولكني لا أجد في الجماعات المسلحة الحالية التي تعيث فسادا أينما حلت، وشوهت حضارة شامنا، وأرادت سرقة تراثنا الذي نفاخر به العالم، وتسوية كل إرث تاريخي لنزع عبق التاريخ والماضي من النفوس.
وزيادة على ذاك فإنني لا أجد في بعض الدول الداعمة لتلك الجماعات منافحا عن الديمقراطية، ولا أرى ان من جلس في جنيف خلال الأسبوع الماضي وفاوض باسم وفد المعارضة يمكن ان يتحدث باسم الشعب السوري وينقل أحلام السوريين، وخاصة بعد أن لمست ارتهان أولئك لاملاءات دول إقليمية وعربية لا تعرف من الديمقراطية إلا اسمها ولا من حقوق الإنسان إلا وصفه.
في جنيف، وبعد رفض المعارضة "الفندقية" إدانة الإرهاب، سقط القناع، ولذا وفي ظل مقارنة ومفاضلة بين النظام السوري، وفريق لا يدين الإرهاب الأسود، ويقتل ويدمر ويجز الرؤوس، ولا يؤمن بحضارة، ولا بمدنية ولا بحقوق إنسان ولا بحرية تعبير. أدعو إلى معارضة حقيقية عنوانها حرية وعدالة وديمقراطية وإصلاح، تدين الإرهاب، وترفض أموال وهبات دول الإقليم.
محليا...وبعد أن بدأ الحديث يتسع عن إمكانية إجراء تعديلات إصلاحية على قانون الانتخاب الحالي، سقط القناع أيضا عن وجوه لبست لبوس الديمقراطية، وصورت نفسها منافحة عن الدولة المدنية الإصلاحية الحضارية، دولة المواطنة وتكافؤ الفرص، وهؤلاء عند أول منعطف فشلوا في الامتحان ولم يستطيعوا إبقاء مساحيق التجميل على وجوههم كثيرا، فظهر مدى عشعشة الفكر المحافظ في عقولهم، وراديكاليتهم ورفضهم للإصلاح والتطور، والدولة المدنية، ونبشهم لأفكار إقليمية وجهوية.
صدق الكاتب العربي المبدع
عبد الرحمن منيف عندما قال "الغريب أن الإنسان لا يرى الأشياء القريبة. لابدّ أن يبتعد عنها مسافة كافية، أو وقتاً غير قصير، لكي يراها بوضوح"، وهؤلاء كان لا بد ان تبتعد قليلا حتى تراهم على حقيقتهم.
(الغد)