زيارة أردوغان الأخيرة الأسبوع الماضي إلى طهران، تثير العديد من الأسئلة حول مستقبل التحالفات في المنطقة.
وحول مصير المشاريع الثلاثة المتنافسة فيها وهي: المشروع الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا إلى درجة التماهي، والمشروع الإيراني الذي يحقق تقدمًا مضطردًا، والمشروع التركي الذي يعيش هذه الأيام أزمة داخلية وانتكاسات إقليمية خاصة في سوريا. اما العرب فيتوزعون كملاحق على المشاريع الثلاثة. فعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة الإمام الخميني انقسم العرب حولها، فمنهم من ناصرها وأيدها بعد سلسلة المواقف والإجراءات التي اتخذتها، خاصة على صعيد قضية فلسطين. مثل إغلاق السفارة الإسرائيلية وفتح سفارة لفلسطين في طهران، ودعمها للثورة الفلسطينية، التي كانت بعض فصائلها على صلة بالثورة الإيرانية حتى قبل انتصارها.
وفي المقابل اتخذ بعض العرب موقفًا عدائيًا للثورة، وصل حد إعلان الحرب عليها، واتهمت بأنها صاحبة مشروع فارسي توسعي يتخذ من الإسلام ستارًا، وهنا لا بد من وقفة توضيحية، وهي ان الإسلام ليس ضد القوميات، ولم يلغها ولم يذبها في يوم من الأيام لذلك ظل بلال حبشيًا، وسلمان فارسيًا، وصهيب روميًا. وظلت كل الأقوام التي دخلت الإسلام محافظة على هويتها وعرقها، فالإسلام دين عالمي يؤمن بخصوصيات الشعوب، ويحافظ عليها باعتبارها أحد مكونات الجُعل البشري لقوله تعالى:»وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا».
من هنا لا يعيب إيران ولا غير إيران من الشعوب الإسلامية، ان يكون لها مشروعها القومي، شرط ان لا يكون هذا المشروع عدوانيًا، وشرط ان يكون التعاون والتعارف البشري هدفه، وهذا ليس محل نقاش هذا المقال، لكنه توضيح لا بد منه، ونحن نتحدث عن المشاريع التي تتنافس في منطقتنا، ومنها المشروع الإيراني الذي انقسم العرب حوله لأسباب كثيرة، كما قلنا من بينها البُعد المذهبي، الذي صار في أيامنا هذه مدخلاً لحرب طائفية تكفيرية قذرة ستكلفنا كثيرًا إن كتب لها أن تأخذ مداها لا سمح الله.
البُعد المذهبي في العداء للمشروع الإيراني في منطقتنا، هو الذي دفع بعض العرب للانحياز إلى تركيا، خاصة في السنوات الأخيرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لتركيا، ظنًا منهم أن المشروع التركي، سيشكل حائط صد أمام المشروع الإيراني، ومع ذلك فمثلما اختلف العرب حول المشروع الإيراني، اختلفوا أيضًا حول المشروع التركي، باعتباره مشروعًا يهدف من وجهة نظر بعضهم إلى تجديد السيطرة العثمانية على المنطقة العربية.
وهكذا توزع العرب في ولائهم على المشاريع التي تتنافس في المنطقة وهي المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي، والمشروع الإيراني، والمشروع التركي، وكأن التاريخ يضع العرب من جديد بفرقتهم وضعفهم قبل الإسلام أمام روما وبيزنطة وفارس، فما الحل خاصة في ظل خسارة كل العرب على مراهناتهم، كل على المشروع الذي أنحاز إليه؟ فالذين انحازوا إلى تركيا لأسباب مذهبية على أمل تشكيل حاجز صد أمام المشروع الإيراني خذلهم صديقهم أردوغان، وهو يندفع بشدة نحو الحضن الإيراني، ويصف إيران ببيته الثاني، كما قال في طهران الأسبوع الماضي. ويأمل برفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران من حوالي 22 مليار دولار عام 2012، إلى حوالي 30 مليار دولار مع نهاية عام 2015، وسيصدمهم أكثر حجم التعاون الإستخباري بين تركيا وإيران، وسيصيبهم بالهلع مركزية الدور الإيراني في الأزمة الداخلية التي تعيشها تركيا هذه الأيام. وحديث الصحافة التركية عن مدى النفوذ الإيراني في الداخل التركي، مما يُبدد أحلامهم بقيام جدار صد تركي أمام المشروع الإيراني.
فإذا أضفنا إلى ذلك التسارع في التقارب الأمريكي الإيراني والإصرار التركي على الالتحاق بالبيت الأوروبي، مع الأخذ بعين الاعتبار الدعم الأمريكي والأوروبي المطلق لإسرائيل والانحياز الغربي الأعمى لها. سنجد اننا كعرب خسرنا كل رهاناتنا على الآخرين. وانه لم يبق أمامنا إلا العودة إلى ذواتنا وبناء مشروعنا الخاص بنا. فلا أحد يحارب معارك الآخرين. فلماذا ننتظر ان يخوض غيرنا معاركنا، ويدافع عن مصالحنا؟ فهل نعي هذه الحقيقة التاريخية وتسعى إلى بناء مشروعنا الخاص بنا؟ أم نظل موزعين كأتباع على روما وبيزنطة وفارس كما كنا قبل الإسلام؟.
(الرأي)