معالم إطار كيري للمفاوضات
د.رحيل الغرايبة
02-02-2014 02:39 AM
يسعى « كيري» جاهداً هذه الأيام لتحقيق نقلة أمريكية معتبرة على صعيد عملية إحياء المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مستثمراً اللحظة التاريخية التي يمرُّ بها العرب في ظل انشغالهم بأنفسهم، وفي ظل ضعف تأثيرهم المفترض في تحولات القضية الفلسطينية ومجرياتها، حيث أن الشقيقة الكبرى (مصر) غارقة في وضع داخلي بائس، جعل وزنها الخارجي ضعيفاً وباهتاً ان لم يكن منعدماً، ولا يختلف هذا الوضع عن حال بقية الأقطار العربية الكبيرة مثل العراق وسوريا وغيرها.
فكرة كيري تقوم على توضيح معالم «اتفاقية إطار» للمفاوضات بحيث تشكل أرضية ومرجعية متفق عليها بين الأطراف أولاً، قبل الشروع بالمفاوضات، وقبل الدخول بملفات الوضع النهائي التي كانت كفيلة بإفشال الحلقات السابقة من المفاوضات التي جرت في زمن الإدارات الأمريكية السابقة، والتي تتمثل بقضايا الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام (67) وقضايا الحدود، والمستوطنات، والقدس، وحق العودة، والدولة الفلسطينية، وكلها تلامس الخطوط الحمر بالنسبة (لاسرائيل) وهي محل التنافس والمزايدة بين الأحزاب الإسرائيلية والقوى السياسية داخل الكيان الصهيوني، حيث سبق لهم أن أعلنوا عن لاءات «اسرائيل» المسبقة والمطلقة قبل الدخول بأي عملية مفاوضات وهي تمثل جوهر البرنامج السياسي للاحتلال: لا للانسحاب لحدود(67)، ولا لعودة القدس، ولا لوقف الاستيطان، ولا لقيام دولة للفلسطينيين، ولا لحق العودة ! وينبثق من كل قضية قضايا فرعية ولاءات أخرى بلا عد ولا حصر.
اتفاقية الإطار المطروحة تضع الأرضية المقترحة التالية، من خلال بعض التسريبات غير المكتملة:
- اعتراف فلسطيني وعربي بيهودية دولة اسرائيل مقابل وعد بالاعتراف بحق الفلسطينيين بإيجاد دولتهم القومية.
- سيطرة اسرائيلية على 75% من المستوطنات التي تم انشاؤها في الضفة الغربية والأرض العربية المحتلة عام 67 واجراء عمليات تبادل في الأراضي
- تعويضات مالية للفلسطينيين واليهود معاً، الذين أجبروا على مغادرة أرضهم ومنازلهم عام (48)
- ترتيبات أمنية وحدودية، ومناطق عازلة بين الضفة الغربية والأردن
التسريبات التي نقلتها الصحافة «الإسرائيلية» كانت بغرض طمأنة الجمهور «الإسرائيلي» وطمأنة اللوبي الصهيوني الأمريكي، من أجل تسهيل المفاوضات، وانجاح الخطوة الأولى على هذا الصعيد، وليس هناك مخاوف لدى الأمريكان والأوروبيين من وجود عراقيل معتبرة من الطرف الفلسطيني والعربي باجمال، حيث جرى أخذ موافقات مسبقة تدعو للطمأنة كما أفادت بعض التصريحات.
ومن خلال الوقوف على بعض هذه التسريبات نجد أن التركيز الملحوظ حول يهودية الدولة أمر مقصود ومدروس لدى الصهاينة ومؤيديهم، وهو ليس شكلياً كما يتخيل بعض العرب، أو كما يحاول بعضهم تسويغ الأمر وتسهيله، فهذا يترتب عليه جملة من الآثار الخطيرة، أولها ما يتعلق بإعدام حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ومنازلهم في فلسطين المحتلة عام (67) واسدال الستار على دفن هذا الحق المشروع للأبد، والمسألة الأخرى تتعلق بالتخلص من الفلسطينيين الموجودين في أرض (48) عن أي طريق ممكن من خلال بعض الاقتراحات المتعلقة بتبادل أراض بين الفريقين، ويقصد بها هنا ، بعض المستوطنات التي تم انشاؤها في الضفة، ويتعلق هذا الأمر بعرب المثلث، والجليل، والنقب.
أما الدولة الفلسطينية الموعودة سوف تكون منقوصة السيادة ومجزوءة الأرض، وبحدود خاضعة للإدارة الإسرائيلية، وتحوي مستوطنات يهودية مؤمّنة.
ويجري الحديث عن تعويضات فقط بخصوص اللاجئين، وتكاد تكون هذه القضية محسومة لدى أغلب الأطراف المؤثرة في العملية السياسية، بما فيها السلطة الفلسطينية، بحسب ما صدر من تصريحات على لسان رئيس السلطة.
أما بخصوص الأردن فيكاد ينحصر الحديث في الجانب الرسمي عن المسألة المتعلقة بالتعويضات، حيث أنها تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، وبهذا الخصوص، فالمطلوب من الأردن كبير ومهم وخطير، حيث أنها تمثل ( العرب) في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، ولذلك يجب أن تتبنّى منهج تصليب الموقف العربي وعدم التفريط بحقوق الفلسطينيين والعرب في ظل موقعها في مجلس الأمن، وفي ظل ترؤسها للدبلوماسية العربية، مما يحتم عليها، عدم التهاون مطلقاً في موضوع الإصرار على انسحاب الاحتلال من كل الأرض المحتلة، بما فيها القدس، والإصرار على بطلان الاستيطان وعدم مشروعيته ، والإصرار على حق اللاجئين بالعودة، والإصرار على عدم الدخول بأي ترتيبات أمنية نيابة عن الفلسطينيين، ولا يجوز بأي حال من الأحوال ان يكون موقف الأردن والعرب جميعاً متخلفاً عن المواقف العالمية، وينبغي أن يسجل التاريخ موقفاً مشرفاً للأجيال القادمة .
(الدستور)