هل فقد بينو متعة مكافحة الفساد؟
فهد الخيطان
01-02-2014 03:30 AM
في الآونة الأخيرة، كثف رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو، من حضوره الإعلامي. لا أعرف السبب؛ لكنه لا يغيب عن ندوة أو محاضرة وورشة. وإذا كان للابتعاد عن وسائل الإعلام مضار كثيرة، فإن للمبالغة في الظهور مضار أكثر.
والأخطر من ذلك أن الرجل أصبح يتذمر كثيرا؛ منفعلا، ويشكو باستمرار من عقبات في الطريق. وقد بدا وكأنه فقد متعة العمل الشاق الذي يؤديه.
بينو رجل صادق ومحترم، ويحمل قضية مكافحة الفساد بجدية كبيرة، ويتصرف أحيانا وكأنها قضيته الشخصية؛ لأنه مؤمن حقا بأن الفساد خطر عظيم على المجتمعات، ولا بد من مقاومته باستمرار.
لكنه، وفي كل إطلالة إعلامية، ينتقد بشدة دور وسائل إعلام، ويتهمها بشن حملات تشكيك بحق الهيئة كلما اقتربت التحقيقات من شخصيات متورطة في قضايا فساد.
ليسامحنا الرجل المحترم؛ ففي أقواله التي يكررها منذ مدة طويلة، قدر كبير من المبالغة. التيار العريض في الإعلام الأردني يساند هيئة مكافحة الفساد، ويدعم جهودها المتفانية في ملاحقة الفاسدين. وإن كان لوسائل الإعلام من مآخذ على "مكافحة الفساد"، فهي عدم فتح ملفات كبيرة تدور حولها شبهات فساد، وترددها في ملاحقة شخصيات مشتبه بتورطها في فضائح فساد، وليس العكس.
وسائل الإعلام ليست كلها على سوية واحدة، وهناك بالفعل إعلاميون يشتغلون لمصلحة الفساد، ويوظفون منابرهم لخدمة الفاسدين والتغطية عليهم. ولأجل ذلك، لا يتورعون عن مهاجمة الهيئة ورئيسها، والتشكيك في دورها. لكن هؤلاء قلة قليلة، ولا يملكون القدرة على التأثير في الرأي العام. الأغلبية تقف خلف الهيئة في جهودها، بينما فئة محدودة تسير عكس التيار العام في الأردن، ولا يُعقل أن تكون مقلقة ومؤثرة إلى المستوى الذي يشير إليه السيد بينو. وإذا كان لدى الهيئة من أدلة وبيّنات على تورط إعلاميين في دعم فاسدين وتعطيل التحقيق، أو التأثير على سير العمل، فإن عليها أن لا تتردد في إحالتهم إلى القضاء فورا.
الكلام المستمر عن الدور السلبي لوسائل الإعلام، يُفسر من قبل البعض على أنه محاولة من بينو لتبرير ما يوصف بعجز الهيئة عن فتح ملفات الفساد الكبير، وإلهاء الناس بقضايا الفساد الصغيرة والمخالفات الإدارية. هذا الانطباع في اعتقادي خاطئ، ويتعين على قادة الهيئة أن لا يقعوا تحت تأثيره. "مكافحة الفساد" لم تفشل؛ فهي ليست هيئة مؤقتة مناط بها النظر في قضايا محددة، وإنما هي مؤسسة دائمة، تطور قدراتها باستمرار؛ تنجح هنا وتخفق هناك، لكنها في المحصلة، تلعب دورا حيويا ومستمرا في مواجهة آفة الفساد.
معركة الدول مع الفساد لا تُحسم بالضربات القاضية، بل بالنقاط التي تتراكم بفعل جهود مختلف مؤسسات الرقابة في الدولة، وبفعل دور المجتمع وقواه الحية؛ صاحبة المصلحة الأولى في مكافحة الفساد.
لقد وجدت هيئة مكافحة الفساد منذ تشكيلها، دعما مجتمعيا وإعلاميا كبيرا. وساندتها مؤسسات في الدولة، وقاومتها مراكز نفوذ أيضا. وقد سمعت شخصيا من يدعو إلى إلغائها والتخلص منها، بدعوى أن وجودها يسيء لصورة الأردن، ويطرد الاستثمار والمستثمرين!
>وللإنصاف، فإن العديد من ملفات الفساد انتزعت من الهيئة، وانتقلت إلى جهات أخرى. ولو بقيت بحوزتها، لكان ذلك أفضل. و"مكافحة الفساد" لا تتحمل المسؤولية عما آلت إليه نتائج التحقيق في تلك الملفات.
إذا استمر رئيس الهيئة يتحدث على هذا النحو الاعتذاري، فإنه يكرس الانطباع بأنه يرأس هيئة فاشلة، أخفقت في تحقيق أهدافها. وهو بذلك القول يخدم "الأقلام المأجورة" ومن يقف خلفها من رموز فساد، ويدعم وجهة النظر القائلة بأن وجود هيئة مكافحة الفساد يضر بسمعة الأردن!
(الغد)