من نويجيس إلى نيوجيرسي!!!
ممدوح ابودلهوم
01-02-2014 01:58 AM
ليست هذه المقالة، بحال من الأحوال، مقالة سياسية، لكني أرجو أن تجد من يترجمها للكاتب الأميركي (توماس فريدمان)، إذ قد يرى إليها رافعة فكرية متواضعة، تستوي عوناً له في بحثه الدائم .. بالإنابة عن الشارع الأميركي، عن جوابٍ على سؤالٍ من الأسئلة المطروحة، حول علاقة الشرق بالغرب بعامة، وعلاقة العرب والمسلمين بالولايات المتحدة بخاصة!
أما قبل .. فلا تصدقوني .. إنما كنت أقوم بحركات التفاف (مكشوفة!)، كي أجد تقدمةً لشهرياريّتي هذه .. ويبدو أني نجحت!، فقبل عقود ثلاثة تزيد شهورا أو تنقص أياما .. ( مش مهم )!، وفي خمس دقائق (فقط) حسب ساعة (بيغ بن)، لا حسب ساعة (عرقوب) .. إياه .. أي وبكلمة عكس مواعيد (أخو شيحة) .. ما غيره!، وعلى فنجان قهوة ما عدت أذكر الآن، إن كان أميركيا أو كان ( أهوة بويش ) يعني ( قهوة بوجه ) .. شامياً!، وأين ؟ .. في السفارة الأميركية، وتحديداً في حضرة صديقي، آنذاك!، القنصل الأميركي السيد ( دينيس جونز )، و (حرّينكو .. و هيني بحكي اسمه بدون حيا ولا دخان جلّة!)، ذلك أنني كنت .. و بصراحة .. هكذا ببساطة (عميل!)، و (شحرينكو .. وحِرّه ما يصحلكو!)، وإلا لماذا أمر بـِ( طج ) خاتم الفيزا ثم توقيعه عليها .. لي ولشقيقي الأصغر (؟!) هكذا .. وبمنتهى البساطة .. وبهذا الوقت القياسي، في حين كان الحصول على فيزا، آنذاك، يعتبر مستحيلا رابعا يضاف إلى المستحيلات الثلاثة : الغول و العنقاء والخلّ الوفي!
وبعد وصول بطاقتيِّ السفر .. درجة أولى .. طبعاً، مجانية .. قطعاً .. على متن طائرة (ألبان أميركان )، وعلى النحو الجوي التالي ( عمان / لندن / نيويورك / لندن / عمان)، والأخيرة هذه .. أي المستحيل الخامس، تمت بوساطة صديقي (الثاني) وهو السيد ( ديل غريفث )، الأميركي طبعا ً .. فأنا لم أكن أصادق، آنذاك، إلا عُلية القوم .. لكن من الأميركان .. طبعاً!
من هنا .. ربما كانت الإشاعة البريستيجية، والتي صرحت، هنا .. أعلاه، بافتخاري بها وبمنتهى البالونية، والتي كم تمنيت لو كانت كبيرة، بل وليت أنها استمرت حتى اليوم، وهي أنني (آجنت!) .. وأراها أطرب وقعاً من مصطلح (عميل!)، وطبعاً مع وكالة المخابرات المركزية .. أي CIA)) .. لكن ليس كل ما يتمنى الحراث ابن الحراث يدركه .. أليس كذلك ؟!
حملت حقيبتي، بعدئذٍ، بيد .. وباليد الأخرى أمسكت بيد أخي، وانطلقت من (خربة نويجيس) من (حوض خنيفسة)، في جبل (الهاشمي الشمالي) أحد جبال عمان السبعة، وتحديداً من بيتنا في ( حي الزغاتيت ) المتوسط بين (عين غزال) و(حي نايفة) .. بالقرب من (حي أبو جسار)، إلى مطار عمان المدني في ( ماركا ) حيث سنطير إلى لندن ثم إلى نيويورك، ومن هناك إلى ( ولاية نيوجيرسي ) حيث سنقيم في أكبر مدنها وأعني ( نورث بيرغن )، ومنذ حطت بنا الرحال هناك، ذات مساء تشرينيٍّ بارد، ستتقاطر المفاجآت عليَّ أنا المسافر / الكاتب، من حيث أنني سأروي منها تباعاً، في قادم الأيام بإذن الله، ما أجده يصلح وجبة سائغة للقارئين!
لكن .. وحتى ذلك الحين، لا بد أن أعرج على ثلاث ملاحظات، أزعم بأنها قد تنزل في باب (من يعش يرى عجباً ويصوم رجباً)، الملاحظة الأولى ليست هي أنني توسطت، لدى شركتي (عالية ) آنذاك، في السماح لنا بالسفر على طائرتها (البوينغ 720) المتجهة ( مباشرة) إلى مطار (جيف كينيدي) في نيويورك، وكانت رحلة خاصة / عارضةً كان على متنها (190) حاجاً مسيحياً أميركياً، ولأن التذاكر كانت مجانية (يعني ببلاش)، فقد قبلوا مقطع عمان / لندن / نيويورك .. و(مشي الحال)!
بل المناسبة .. والشيء بالشيء يذكر، فقد كانت رحلة قد يؤرخ لها الطيران التجاري الأردني، من حيث أنها استغرقت زمناً خرافياً كان (22) ساعة، لكن طبعاً مع توقف عملياتيٍ، وللتزود بالوقود في 6 نقاط ترانزيت، كان من بينها ( مطار شانون ) في ( إيرلندا )!
لا لم يكن ما آنفت هو قوام سبب ملاحظتي أعلاه، بل جارتي الأميركية الحسناء في المقعد المجاور، وذلك أثناء في عودتي من نيويورك إلى لندن، إذ كانت تراقب طريقة تناولي لطعامي بعد إذ قدمت لها نفسي وعرفت جنسيتي ( العربية )، وذلك كي تكتسف ما إذا كنت أستخدم الشوكة والسكين، مما ذكرني بأحد أصدقاء العمر من ( الطفيلة ) الشماء، حين استأجر وزوجه شقة متواضعة في إحدى المدن الفرنسية، فراحت صاحبة الشقة تقوم بزيارات مفاجئة، وبخاصة أثناء تناول وجبات الطعام، إذ اكتشف صديقي وزوجه، بعدئذ، سر هاتيك (الكبسات) المفاجئة، وهو أنها كانت تريد أن ترى كيف يأكل (العرب) الطعام!
الملاحظة الثانية .. لن تكون أكثر عجباً من الثالثة، وهي حين ذهب صديقي ووضع اسمه وعنوانه، بهدف ترتيب موعد لقص شعره لدى صالون حلاقة، لكنه حين ذهب في الموعد المضروب، وذلك باتصالٍ هاتفي يؤكد الحجز، استغربوا حضوره (وحيداً) .. إذ كان يجب أن يكون معه (صاحب الحجز)، وكانوا يقصدون بصاحب الحجز ( صاحب المعالي : الكلب الغالي ) .. أجلكم الله، فقد كان الصالون صالون حلاقة خاص بالكلاب .. لا بالرجال، لكن حين رأى الخدمة المتميزة (جداً) للزبائن أي الكلاب، راح صاحبي والذي لم يكن يحسن الفرنسية، يرجوهم بأن تشمله هذه الخدمة الرفيعة المستوى!
أما الثالثة .. فهي أنني غادرت حي نويجيس أو (نويجيس أفنيو)، بحذاء كان في الأصل أسودَ، فأصبح بنياً بفعل الطين قبل سفري من عمان، ولا أدري كيف عاد حذائي ومنذ اليوم التالي، دون تدخل ماسح أحذية، أسودَ لامعاً، وذلك فور تنقلي بين مدن ولاية نيوجيرسي : (باترسون) و (جيرسي سيتي) و ( نورث بيرغن )، حيث كنت قد أقمت هناك شهور ثلاثة، قبل أن يعود .. حذائي إياه!، فور عودتي، سيرته الأولى .. (بنياً) .. من جديد، وذلك على مشارف بيتي (النويجيسي)، حيث الطين قبل ثلاثين أو تزيد من السنين!، وهو الطين الذي أعاد أخي بعدي بشهرين ليس لأنه لم ينجح هناك، أو أنه لم يستطع التكيّف مع أصدقائي الأميركان!، بل لأنه لا يستطيع الغربة أو البعد عن الطين، مهيجناً – من الهجيني – بأن ( نسّم عليه هوا بلادي )، والرواية الأدق أنه كان يصدح بحداءٍ فيه ذكرٌ لـ(ريحة جراباتهوصنّة فرشته )، ومهما يكن .. ولا أصادر قراره، فقد اعترف لي بما زبدتها أن (طين نويجيس وزققها ولا هاي وايز نيوجيرسي أو أتوتوستراداتها وأفينيوآتها أي أحياءها ) امتثلالاً لنصيحتنا (الوطنية جداً) والقائلة ( من طين بلادك لط خدادك ) .. ويا سلاااام ... سلم م م !!!