الجامعات ُ الحكوميّة والخاصّة فيها خلل
د.عودة الله منيع القيسي
01-02-2014 01:54 AM
خلل ..يوُدّي إلى مشكلات طلابية خطيرة في الجوّ الجامعي . ومجلس التعليم العالي لم يَجدْ الحلّ لهذا الخلل ، لأنه يُجري فعالياته برئاسة وزير التعليم العالي . وغالباً ما يتماشى قرار المجلس مع توجه رئيسه .
- ولذا .. فأنا - .. اقترح لحلّ المشكلات أن يُشكَّل مجلس أعلى مستقل للتعليم العالي ( ينتخب المجلسُ رئيسه من بين أعضائه لأجَلَ ) – يُعنى بالمناهج والأساليب – والإدارة – وتعيين رؤساء الجامعات ، أو إعطاء صلاحية تعيينهم لمجلس العمداء ورؤساء الأقسام مع أعضاء من مجلس التعليم العالي . وموافقة المجلس على تعيين كبار الموظفين – وله الحقّ القانوني بمراقبة ومناقشة أي خلل يجده ، في أيَّ جامعة – حكومية أو خاصة .
.. على أن يكون أعضاء المجلس أكاديميين ، وأعضاءاً من الأحزاب ، ومن منظمات المجتمع المدنيّ ، ومن أولياء الأمور – على شرط أن يمثل هذا الفريق جميع الأطياف الأردنية ، ولا يفرزُ أعضاءَهُ – الجهات الأمنية ، ولا رئاسة الوزراء ،ولا وزارة التعليم العالي – تمشياً مع الإرادة الملكية السامية بالأمر بالإصلاحات الجادة ، في جميع المجالات
سوءً إدارة الجامعات – ومشاجرات طلابها =
- بل .. إن مشاجرات الطلاب في الجامعات ( وأنا كنت أستاذاً جامعياً ) سببها الأول – الفساد الإداري ، لأن رئيس الجامعة هو الكلّ في الكلّ – والأخرون .. ليسوا إلا منفذين . ليس من صلاحيات – آرائية ، وقراراتيه – في أيدي العمداء ، ورؤساء الأقسام – وإن صلاحياتهم هي في حدود تنفيذ التعليمات الروتينية !!
.. وفي الجامعات الخاصة – الكلّ في الكلّ – ليس رئيس الجامعة ، وإنما هو المستثمر الأول الذي يملك -51% - من أسهم الجامعة أو أكثر . (ولذا .. يجب أن لا يكون لأحد أسهم أكثر من – 25% - ) عن طريق تعديل القانون . لكي يكون لمجلس الإدارة ، ولمجلس الجامعة رأي حقيقي – لا شكلي – فحسْبُ .
- من ناحية أخرى – فمشاجرات الطلاب هذه من أسبابها .. شعور الطلاب ( بالضياع )- مما ينتج عنه عدم – الانتماء – للجامعة ، وفكر الجامعة المتحضر – ولثقافة الجامعة – ولكن ، لماذا يشعرون بالضياع ؟!
- لأن رئيس الجامعة – مثلاً – لا يلتقي بجميع الطلاب – على دفعات – مرتين : مرة قبل النصف الأول من العام ومرة في النصف الثاني . ومثله .. مساعدوه . أما العمداء .. فيجب أن يلتقي كل عميد مع طلاب عمادته – على دفعات ، مرتين في كل فصل .أما رؤساء الأقسام .. فيجب أن يلتقي رئيس القسم ثلاث مرات ، في كل فصل مع طلاب قسمه .
قيمة هذه اللقاءات ، من الجميع =
- المسؤول .. من رئيس الجامعة حتى رئيس القسم – عندما يلتقي بالطلاب التابعين لإدارته – لقاءاً مطوّلاً ، يستمر ساعتين أو ثلاثاً .. يجعله يقول للطلاب الأفكار والآراء التي لديه ،ثم .. يسمع منهم قضاياهم ومشكلاتهم ، وحاجاتهم وطلباتهم .. فيوضح لهم ما يمكن توضيحه ، في اللقاء نفسه ، أي : ما يمكن الإجابة عليه إجابةً مريحةً تفسر للطلاب ما غمض عليهم ، مما يزيل بعض الاحتقان الذي يثقل ذ واتهم – ثم يعدهم بدراسة ما يمكن الإجابة عليه – دراسة تنتهي إلى حَلّ – لا إلى مجردّ وعود دون تنفيذ ،
- يُضاف إلى هذا .. أن تفُتح أبواب المسؤولين – إلى شكاوى الطلاب ، ومراجعاتهم – ابتداءاً من رئيس الجامعة ، ومساعديه ، ومروراً بالعمداء ، ورؤساء الأقسام – ولو يوماً واحداً في الأسبوع ، وانتهاءاً بالأساتذة . لأن الطلاب .. يجدون صدّاً – من السكرتيرات – ( اللاتي أُعِْطينَ تعليماتٍ بتصرفاتهنّ (بالصدّ) – فهُنّ يمنعن الطلاب – غالباً- من الدخول على هؤلاء المسؤولين ! – وخاصةً – الرئيس – والعمداء .
- احتقانٌ .. يملأ النفوس – من إغلاق أبواب المسؤولين ، في وجوه الطلاب ، ومن انصراف المسؤولين عن اللقاء بهم وبمحاورتهم .. هذا الاحتقان يُشعر الطلاب ( بالضياع ) في أرجاء الجامعة – وينتهي الاحتقان إلى الظهور – بطريقة أخرى ، وهي – المشاجرات – بينهم : بين بعضهم وبعضهم الآخر – لأتفه الأسباب . والمشاجرات .. تقوم على التحزب العشائري ، لأن الطالب ( وقد فقد الانتماء إلى ثقافة الجامعة، وأحس بالضياع في الجامعة ،) – لا يجد له – انتماءاً – إلا الانتماء لعشيرته ، لأن أفرادها هم الذين يتواصلون معه ، وهو يتواصل معهم .
- إن التوصيات بتشديد العقوبات .. يُعيدنا إلى منظور الأحكام العرفية وإلى نظرة متخلفه ، ولايجعل الطلاب يكفون عن المشاجرات أو يردعهم عنها- المشاجرات ذات الانتماء العشائري . وإنما الذي يردع هو الإجراءات التي أسلفنا ذكرها .
السبب الثاني =
- وقد يُسأل : والأساتذة .. أليس الطلاب يتواصلون معهم – يومّياً – وهذا .. كافٍ ؟!
- وأجيب بأن الأستاذ يقدم معلومات – للطلاب ، وليس لديه وقت ليتحدث معهم في مشكلاتهم الخاصة وحاجاتهم ، وتطلعاتهم ، وآرائهم .. مما هو خارج معلومات المحاضرة . وإذن .. تواصلهم بالأساتذة كلا تواصل = لأنه مُنعدم فيه التواصل الفكري النفسي الآرائي . ومع هذا – فالأساتذة عليهم مسؤولية ، فهم يتعالَْون على الطلاب ولا يفسحون لهم في صدورهم ومن وقتهم – فضلاً عن أن بعضهم يُخلف حقداً في نفوس الطلاب إذْ يؤلف الأستاذ لهم في المنهاج المقّررّ – كتاباً مدرسياً للأسف الشديد – ثم يبيعه لهم بثلاثة أضعاف ثمنه!! – فكيف يحسّ الطالب بمثل هذا الأستاذ أنه قُدوة – يستحق أن يُفضي له الطالب بذات نفسه ؟
.. فضلاً عن أن تأليف كتاب – يقدم ( معلومات ) ويحجب العلم – أجل ..! – خيانة للمهنة ! إن إعادتهم إلى عشرات المراجع ، يقرأون منها ، أو من بعضها – كلّ حَسَبَ جُهدِهِ – علماً : يقرأون آراءَاً متنوعة – وأحياناً – مختلفة ، مما يجعل الطالب ، أمام تنوع الآراء ، واختلافها ، يأخذ يفكر ، ويفكر .. ويتساءل : أيٌّ هذه الآراء هو الصواب ، أو الأقرب إلى الصواب ، بل – وأّيها .. خطأ ؟! – مما يجعل الطالب ، مع الزمن ، يصبح هو مفكراً – له رأي مستقل – خلافاً .. للمنهاج ، وطريقة التدريس اللتين أتيانا من عصور الانحطاط ، ومما كبّل به الأجنبي مناهجنا وطرق تدريسنا ( في المدارس والجامعات ) من التلقين – والحفظ ، ثم أن يقيء الطالب ( والعالم ) – ما تلقن وما حفظ ليس أكثر -!- ( والحديث طويل في هذا المجال نكتفي منه بهذه الإلماعة ) .
- وثالث الأسباب = هو الوعي العالمي الذي صُبّ في نفوس معظم الناس ، في أركان الأرض الأربعة – الوعْيُ .. بكرامة الإنسان ، وحقوق الإنسان – السياسية والاجتماعية والاقتصادية . ولكنّ الحكومات ، في العالم الثالث ، لا تُصيح آذاناً لذلك .. مما يجعل الجريمة تزداد وتتنوع – ومنها مشاجرات الطلاب . فلو عامل رؤساء الجامعات ، والعمداء ، ورؤساء الأقسام ، وأيضاً – الأساتذة – الطلابَ، على قدْر هذا الوعي الذي صُبّ في عقولهم ونفوسهم ، على اعتبارهم ( يَعُون) من أمور الحياة ما يَعيه هؤلاء الكبار- لخفّت المشاجرات ، وتحسنت بين الطلاب العلاقات .
- ورابع الأسباب = غلاءُ الأسعار:
- فقبل سنة ، تقريباً .. رُفع الدعم عن المحروقات – بضربة واحدة .. فأدى ذلك إلى جنون الأسعار – إذْ كان الموظف الذي راتبه خمسمئة دينار ، وعائلته مكوّنة من خمسة أفراد – يداري معيشته بهذه الخمسمئة . ولكن ، عندما رفع الدعم عن المحروقات وجُنّ جنون الأسعار .. صار يختصر من المواد الضرورية – ربعها – لكي يداريَ وضعه . فأصابه ذلك بقلق كبير . وقد رأى أبناءه يشتهون الفاكهة فلا يقوى على شرائها ، ويقرمون إلى اللحم .. فلا يقوى على شرائه .. فصار يملأُهُ الإحساس بأن الحكومة التي رفعت الدعم عن المشتقات النفطية .. قد ظلمته وظلمت أبناءه وزوجته ...! والأبناء الكبار في الثانوية والجامعات ..يحسون بهذا الإحساس ، فيدفعهم ذلك إلى الحقد والتنفيس بالألفاظ القاسية ، والمشاجرات الدامية .
- هذا .. حال الذي دخلُهُ خمسمئة دينار – فما بالُك بمن دخله أربع مئة ؟- فما بالك بمن دخله ثلاثمئة ...؟!
- ورفع أسعار المحروقات ( رفع الدعم ) أدىّ إلى زيادة البطالة ، وجوع الناس .. فكثرت الجريمة : القتل .. حتى كان من بين من يقتلون نائب سابق .. وسرقة السيارات أصبحت ظاهرة يضج منها الكثيرون ، والطلاق .. ازداد لأن الزوج لم يعد قادراً على تلبية طلبات زوجته وأبنائه – وطلاب الجامعات .. أصبح معظمهم يعيش في قلق وتوتر أعصاب .. إخوانه الكبار عاطلون عن العمل ، وإخوانه الصغار .. لا يجدون ما يدفع عنهم غائلة – سُوء التغذية – وهو نفسه – مستقبلُهُ مظلم . فدفع شريحة كبيرة من الطلاب أن تعيش بأعصاب متوفزة ، تثور لأتْفَهِ الأسباب .. فتقع – المشاجرات –
.. والحق – أن العقوبة القاسية .. ليست الحلّ ، وأنا أتألّم عندما أقرأ أن جامعة – ما- فصلت خمسة طلاب ، أو عَشَرَة ، أو أكثر ... مع أن الحلّ ليس في فصل الطلاب ، بل بتوفير الظروف الملائمة – وذلك بتلافي الأسباب الأربعة السابقة . وعندئذ ..أرى أن المشاجرات ستقل بين الطلاب ، وبين الناس ، وأن سرقة السيارات سنقل . أيها الحكومة .. لا تُجيعي الناس ، وتنتظري ألا تكثر الجريمة ، ومنها مشاجرات الطلاب ؟- أما قال الصحابي الجليل الثائر – أبو ذرًّ الغفاري : ( عجبتُ لمن يبيت جائعاً ، ولا يخرج شاهراً سيفه في وجوه الأغنياء – أجَلْ – الأغنياءِ ،لأنهم هم الذين أحتوشوا قُوتَهُ وقوت عياله- وأجَلْ – أيضاً ..يَشهر سيفه ، لأنه لا يريد أن يموت جوعاً، أو سوء تغذيه ، وغيره يأكل العسل والباقلاء ، ويكاد يموت من التخمة . ولذا فالجائع – يُدفع إلى الجريمة دفعاً – ومنها مشاجرات الطلاب
- يا رؤساء الجامعات ، ويا عمداء ، ويا رؤساء أقسام ... افتحوا قلوبكم وعقولكم وأبوابكم إلى الطلاب – وبالأخصّ إلى ممثليهم . وستجدون – قطعاً – أن المشاجرات وما يتصل بها .. ستقل ، إن لم تضمحلّ .
- وخامسة الدواهي : - هو الوضع العالمي المضطرب الذي لا يُشعر بالأمان أو الاطمئنان .بل يبعث على الاضطراب وسوء التصرف وفقدان الاتزان .
- بغير هذا كله .. فلن تفلح الحكومة ، بتخفيف الجريمة أو تقليصها – ولن تفلح الجامعات بالتقليل من المشاجرات ، أو إضعافها . على أن الوضع العالميّ المضطرب ، هو – وَحْدَهُ – الذي ليس في أيدينا والله تعالى أعلم .