توحيدُ ما لا يتوحّدْ شطرا قبرص نموذجا ؟!
ممدوح ابودلهوم
29-01-2014 02:46 AM
بداية يبدو صحيحاً أن أدوات القياس القديمة التي تركناها خلفنا ظهريا ، و التي كان يستخدمها الساسة و العلماء و الدارسون في رصد التحولات السياسية والمتغيرات الدولية ، ليس من بينها بالقطع ما يسمى بإعادة رسم خرائط مناطق بعينها في هذا الإقليم المضطرب من العالم ، هذه الأدوات قد أودعها أصحاب القرار الدولي بزعامة معسكر القطب الأوحد في واشنطن مستودع التاريخ ، حيث الكثير من القديم والبالي والمُتخلف من الأنظمة والدساتير والاتفاقيات الفارطة ، مما عفا عليه الزمن ليأكل عليه الدهر الأميركي حتى التخمة ويشرب حتى الثمالة !
مناسبة هذا التقعيد السياسي .. و بكلمة مبتسرة حسماً للإسهاب ، هو أن (المسألة القبرصية) ، إن ما زالت تحتفظ بهذا التوصيف السياسي ، لم تعد تُشكل قنبلةً موقوتةً أو تُهدد مثلاً بعودة البلقنة .. نسبةً إلى (البلقان) ، فالأخيرة هذه (البلقنة) إذا كانت حقاً ستعود فإنها وبحسب ما قررناه في مفتتح هذه المقالة ، ستعود أولاً من مكانٍ آخر هم يعلمونه نحن لا نعلمه (!) وثانياً ستعود من حيث ندري ولا ندري (!) وثالثاً وهو الأهم ستعود وقطعاً بقرارٍ عولمي أشقر !
ومع أن (اللبننة) نسبة إلى (المسألة اللبنانية) بمعناها السياسي المتداول .. عربياً ، قد تكون أسهل وأسرع .. لا بل وأقرب اشتعالاً إلى (الفتيل القبرصي) ، من عودة (كبريت البلقنة) فيما قد يتوهم المتوهمون ، إلا أن عصا الشرطي الأميركي ( عصا النظام العالمي الأوحد ) جاهزة ليس للتلويح وحسب ، بل وللضرب أيضاً على يد كل من تسول له نفسه ، أن يلعب بنار البلقنة أو اللبننة في جزيرة الحب والبحر والشمس .. جزيرة (افروديت) .. جزيرة قبرص !
ومع ذلك ..ما زالت الأمم المتحدة تستميتُ وبتوجيهٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، في توحيد شطريّ هذه الجزيرة .. الشمالي التركي والجنوبي اليوناني ، هكذا .. مع أنهما يُشكلانِ حاضراً دولتين منفصلتين ، الجنوبية وتدعى (قبرص) وتنتمي للأم أي الأمة الأولى الأصلية (اليونان) ، إذ هي تتحدث بلسانها وتدين بدينها وتنشد نفس أشواقها في الانتماء الوطني ، فالانضمام بالتالي بمعنى عودة الابنة القبرصية إلى أمها اليونانية ..
أما الشمالية ولن أسميها قبرص بل (الشطر التركي) ، حيث يتحدث السكان باللغة التركية ويدينون بدين الدولة الجمهورية التركية وهو الإسلام ،والأدق أن هذا الشطر التركي يدين بعلمانية تركيا الأتاتوركية - نسبة إلى (مصطفى كمال أتاتورك) مؤسس دولة تركيا العلمانية الحديثة ، وهو بالمناسبة الذي لبس (القلنسوة) الأوروبية حتى لا نقول اليهودية بدلاً من (العمامة) للشيوخ و(الطربوش) للأفندية ، بعد إذ قرر أن تركيا ليست دولة مسلمةً بل هي دولةٌ أوروبية تدين بالعلمانية ، حتى قيل أنه ألقى بالقرآن الكريم على الأرض قائلاً : (أنا لن أحكم بكتابٍ كل ما فيه بسملةٌ وحمدلةٌ) !!!
هكذا .. أجل .. خلوصاً ، يريدون توحيد ما لا يتوحد ، أو على طريقة شيخ الرواية العربية (نجيب محفوظ) يريدونَ (توفيق مالا يتفق) ، أما الأقرب رُحماً عاطفياً وعقلياً إلى الحل ، فهو أن يعود الوليد التركي الضال إلى أمه الشرعية .. (تركيا) ، وأن تعود الابنة الضائعة إلى أمها الأصلية .. (اليونان) ، وكفى الله السادة الأمممتحدين شر القتال نحو توحيد هذين الشطرين المتقاربين (جغرافياً) المتدابرين (ديموغرافياً) ، إذ لا لغة مشتركة ولا دين واحد ولا عرق ولا تاريخ ولا حضارة تجمعُ بين قبارصة اليونان وقبارصة تركيا ، والأهم من ذلك كله أنه لا يوجد أدنى رغبة لدى الطرفين في توحيد الشطرين ، إنما هي مجرد رغبة من الغرب لأسباب عجيبة وغير معروفة ، وعليه فإن أي استفتاء غايته توحيد الشطرين ما نموذجه استفتاء حزيران في تسعينات القرن الماضي ، لا بد وسيأتي مناقضاً تماماً لتوجهات الأمم المتحدة في ضمّ هاتين الدولتين ..