ليس لأنه فقط حق لعدد كبير من الاردنيين الذين تمثلهم الدولة الاردنية كما عبر عن ذلك السيد رئيس الوزراء ومن قبله رئيس الديوان الملكي , ولا لأنه يحمي الاردن من مشروع صهيوني قديم يرى في الاردن وطنا للفلسطينيين , متجاهلا أن الاردن وطن لسكانه الذين عاشوا فيه منذ القدم , ولو افترضنا أن الاردنيين يقبلون بالفلسطينيين كشركاء لهم في هذا الوطن العربي الاسلامي , فإن ذلك لا يعني مطلقا أن الفلسطينيين والاردنيين يقبلون بالاردن وطنا بديلا لصالح المشروع الصهيوني المحتل الغاصب للحق , والذي يقوم على الاغتصاب والتعدي على حقوق الآخرين , فالحق يجب أن يعود لأصحابه أولا , وبعدها يمكن للاردنيين والفلسطينيين أن يتفاهموا على الشكل الذي يريدون من العلاقات , دون أن يكون ذلك متأثرا بضغوط المشروع الصهيوني , ولا خاضعا لموازين القوى الحالي الذي لن يستمر للابد , إذا ما أحسن العرب والاردنيون والفلسطينيون التعامل مع هذا الوضع الطاريء المؤقت , والذي جعلنا نسكت على هذا الخلل اكثر من ستة عقود , يمكن ان يجعلنا نصبر لعقد واحد إضافي لنرى أن المعادلة تتحول لصالح أصحاب الحق , الذي أصبح أكثر وضوحا في نفوس أصحابه , في زمن نحسب أن ابواب الحرية تطرق فيه بعنف , ويوشك أن ينجلي لصالح الامة .
المشروع الصهيوني اسس على فكرة إخلاء الارض من أصحابها , اي (الترانسفير)والذي بدأ ناعما وفرديا من وقت مبكر , ومهدت له وساعدت وساهمت في تنفيذه بريطانيا العظمى منذ صدور وعد بلفور , حتى اذا ادرك البريطانيون والصهاينه فشل الترانسفير الناعم الذي اتخذ من محاولات شراء الارض , وتعويض أصحابها ببدائل عنها , ومحاولة اخراجهم منها بشتى الوسائل , أخذ الطابع الخشن العنيف والجماعي عام 1948 بالحرب والقصف وارتكاب المجازر الجماعية , التي أفضت الى نكبة 48 , والعالم العربي يتفرج على المؤامرة ولم يبذل جهدا حقيقيا لمنع وقوع الكارثة , وكان لبريطانيا الدور الاكبر في النتيجة التي آلت اليها الاوضاع من خلال تحكمها في الوضع الميداني على أرض فلسطين , من خلال نفوذها وحليفتها فرنسا في الاوضاع العربية المحيطة بفلسطين , ويذهب البعض الى أكثر من ذلك , أي في ضلوع بعض العرب في ما جرى , وكأن الامر دبر بليل وشارك فيه الجميع دون استثناء, ولسنا بصدد اثبات ذلك أو نفيه , وانما يهمنا ما نحن فيه الآن , وأين هي مصلحتنا .
يمكن أن يجد المفاوضون الذين شاخوا على موائد المفاوضات العبثية سيناريوهات متعددة لبعض القضايا وقد يجدون لها حلا يروجونه على انه تحقيق للمصالح الوطنية الفلسطينية , وأنه حل مرحلي (هذا في الخفاء ) , في مسائل تتعلق بالقدس والحدود , وغيرها من مفردات الحل النهائي , أما موضوع اللاجئين وعودتهم الى بيوتهم واراضيهم وممتلكاتهم التي استولى عليها العدو الصهيوني , فإن المفاوض يتلعثم ولا يستطيع أن يكون فصيحا محقا في ما يقول , لأن التنازل عن هذا الحق الذي أقرته شرعة حقوق الانسان العالمية ,و قرارات المنظمة الدولية وعلى رأسها القرار 194 (رغم انتهاكه لحقوق العرب والفلسطينيين في ارضهم ), لا يمكن أن يكون مقبولا لأحد من الخلق , لأنه باختصار لا يملك أحد التنازل عنه , فهو حق فردي اولا , وهو أيضا حق جماعي لا يملك أحد أن يتنازل عنه إلا بتفويض من أصحابه مجتمعين , وهذا متعذر لغياب جهة تمثل الفلسطينيين جميعا بشكل ديمقراطي وصحيح , وعليه فان هذا الحق هو عمود المطالب الفلسطينية , والتخلي عنه يعني الخيانة والتفريط القبيح الذي يستحق اللعنة والثورة والانقلاب ورفع الغطاء عن كل من يقدم على ارتكاب هذه الجريمة التي لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق ولا قانون .
ان الأثار المدمرة التي تترتب على بيع هذا الحق للعدو الصهيوني ستطال الاردن وفلسطين , وستمكن للمشروع الصهيوني أن يمضي قدما في تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة , من استكمال بناء دولته التي يخطط من خلالها أن يكون الاول سياسيا وعسكريا واقتصاديا , وان يحول دون تنمية وتقدم دول المنطقة المحيطة به حتى تبقى تابعا ذليلا له , وأن يبقى اهلها يعانون الفقر والتخلف والفرقة التي تتنامى يوما بعد يوم , في غياب قيادات وطنية حقيقية تخوض معركة الوجود مع هذا الكيان السرطاني الدخيل , الذي زرعته في قلب أمتنا بريطانيا زعيمة الاستعمار وقائدة مشروعه قديما , وورثت الدور امريكا عدوة العرب والمسلمين المتحالفة مع الصهاينة في حلف استراتيجي غير قابل للانفكاك في المدى المنظور .
إن المنتظر في ضوء تقدير هذه المصلحة العليا للاردن وفلسطين أن يكون هناك تمسك حقيقي بحق العودة , ودعم مستمر وجاد وعملي له , وللمؤسسات التي تعمل على حث اصحابه على التمسك به كحد أدنى للتعبير عن صدقية هذه المواقف , وأن لا تشغلنا عن هذه المهمة الجليلة مناكفات السياسة الداخلية أو غيرها , وأن نكون صادقين مع انفسنا مخلصين لامتنا ولاوطاننا , قبل أن نعض اصابع الندم لاننا سكتنا على ممارسات فئة لم تعرف يوما معنى الانتماء الحقيقي للامة والوطن والمصالح العليا التي تدعي انها تمثلها وتدافع عنها .