المدرسة أرض خصبة للعنف الجامعي
الاب عماد الطوال
28-01-2014 03:05 AM
باتت قضية العنف الجامعي من أهم القضايا التي تؤرق المجتمعات الحديثة، وبما أنها قضية تمس المجتمع المتحضر فإن الدراسات والتحليلات والمحاولات للحد من تفاقم هذه المشكلة باتت كثيرة ومتنوعة دون أثر ملموس في الحل قادر على استئصالها، قد يكون السبب تعلق هذه المشكلة بالمجتمعات الانسانية المختلفة في البيئة والتربية البيتية والمدرسية وكونها مشكلة تخص المجتمع الإنساني غير الثابت.
أعتقد أن الحل لابدّ أن يتجذر في المنظومة التعليمية التكاملية والتشاركية والتفاعلية لأن القضية باتت مسؤولية مجتمعية وجماعية وهي مسؤولية وطنية تربوية لا تتقدم المجتمعات إلا بتجاوزها، التفكير يبدأ بمنطقية إذا اعتبرنا أن الأساس في التربية يبدأ من البيت والتربية المنزلية والتنشئة المدرسية السليمة.
هذه العنوانات والمفردات التي تتبع بعضها البعض لتشكل كل متكامل هي لبنة بناء شخصية الطالب الإنسان، فالمدرسة والتربية والتعليم والتنشئة وعقلية الأهل وبيئتهم هي الأساس والأرض الخصبة لتنشئة الطالب الإنسان وما تحمله هذه الأرض من مبادئ المنح والعطاء والانتماء والمواطنة الصالحة هي ما سيثمر يانعاً في أرض الجامعة وفي زمن التعليم الجامعي.
في خضم الأحداث المحيطة بالمنطقة بات مصطلح العنف من المصطلحات السيئة المكروهة عند الجميع قاطبة لأنه دال على الفشل والدمار والخصومة والكراهية والأنانية والابتعاد والفرقة والنزاع.
لنتفكر إذن كيف تكون المدرسة أرض خصبة للعنف؟؟؟
علينا أن نتوقف عند المسؤولية الواعية والجماعية، ألم يأت الطالب الجامعي من رحم مدارسنا؟ فأين الاصلاح التربوي أمام عالم متغير وتكنولوجي وعصر المعلوماتية المتطور؟ القضية تقع على عاتق ومنهجية التعليم التلقيني: التقليدي، في ظل غياب روح الإبداع والابتكار، وإتباعنا المنهاج الذي يركز على التلقين، والنسخ الأعمى، والدوسيات الجاهزة، والتلخيص المبسط، التعليم البنكي والذي أشار إليه باولو فوريروا ولخصها بـ (ثقافة الصمت، تربية المقهورين، كبت إصغاء سلبي، احباط ) فالنتيجة الانفجار يوماً ما وبركان عنف نعيش واقعه ونلمسه في جامعاتنا.
الطالب هو الكأس الفارغ: الطالب فقط مستقبل ومطيع وصامت ومنفذ التعليمات- عليه أن يلبي ويؤمن ويصدق وينفذ ما يريده المعلم دون تفكير ونقد وتحليل وتقييم هذا هو طالب اليوم... ما عادت المدرسة مكاناً يجذب الطلاب بل هي مصدر تعاستهم وكرههم وتنفيرهم، هم لا يرغبون في العودة إليها دون استثناء حتى المتفوقين أكاديمياً منهم، علماً بأن كلمة مدرسة في أصلها اللغوي (School) كلمة يونانية تعني الترفيه والانبساط...عكس ما ينظره الطالب.
بهذا أصبحت المدرسة أرضية جاهزة وخصبة للعنف من وراء الكبت وعدم الإبداع والابتكار لاعتمادنا فقط على التلقين والحضور السلبي للمعلم والمدير والإداري وجميع من يقع تحت منظومة التعليم؟؟؟ من هنا لا بدّ من وضع الإصبع على الجرح للإشارة إلى أهم الأسباب الجوهرية وراء العنف لارتباطه ضمناً بأسباب ثقافية واجتماعية وصدمات حضارية وثقافية... لكن ضمن المنطق والقدرة المستطاعة ما أركز عليه هي نقطة المنهاج والبيئة المدرسية الآمنة كون كلٌ يعمل للإصلاح ضمن منهجيته وميدانه....
رؤية جديدة ومعاصرة:
- لماذا لا نقوم بمراجعة المناهج وخلق أساليب تعليمية حديثة ومعاصرة تشاركية وتفاعلية تساعد على التفكير والتحليل والنقد البناء، تشغل الطالب بما هو مستحب لديه..
- بات من الضروري حالياً التربية على الحوار و التفكير الموضوعي والحث على الإبداع والابتكار و البحث العلمي.
- حان الوقت لوضع وصياغة برامج لا صفية ولا منهجية تقوم على القيادية، والتطوعية، والإنسانية والخيرية... يقول المفكر التربوي جون ديوي: "لا يتسنى للمدرسة أن تعد طلبة للحياة الاجتماعية إلا حين كان النظام فيها يمثل الحياة الاجتماعية" ويضيف قائلا: "والطريقة الوحيدة التي تعد الطالب للحياة الاجتماعية هي الاشتغال بأعمال اجتماعية وإذا قلنا أن الطالب يستطيع أن يكوّن عادات اجتماعية بغير الاشتغال بأعمال اجتماعية فكأننا نقول ان الطفل يستطيع أن يتعلم السباحة وهو يقوم بحركات السباحة على اليابسة وليس في بحيرة ماء".
- تنمية قدراتهم وتطوير إمكانياتهم في بيئة آمنة (إشغال الطالب، "ان لم تشغله يشتغل فيك")
- لا بد من حذف واختصار الكثير من المناهج لإجبار المدرسة والجامعة على التعلم بالبحث وبالتالي تحفيز ابداعاتهم.
- نشير هنا إلى مفهوم العنف التواصلي وظهور وسائل التواصل الحديثة التي حرمت الجماعة من التواصل الاجتماعي الشخصي وأصبح التواصل تكنولوجي من عمر خمس سنوات وأقل الى الفترة الجامعية، لذا فإن قضية اللاتواصل سبب للعنف مهما كانت البيئة الأسرية أو التعليمية فالنتيجة هو العنف التواصلي، أي التأثيرات السلبية التي يتعرض لها الطالب أثناء الفصل التعليمي وأثناء تواصله داخل الفصل مع التلاميذ أو مع المعلم، فالغالب على طرق التدريس التقليدي في العالم غياب الحوار بين العناصر المكونة للمنظومة التعليمية، اذ يصبح اللاحوار عنف تواصلي حيث لا يستطيع الطالب التعبير عن أفكاره وأطروحاته وتصوراته مما يجعل من الصعب تقبّل الآخر.
- نحن بحاجة إلى زرع ثقافة الإبداع والتفكير والابتكار، بحاجة إلى احترام الآخر، نشر روح المحبة، التسامح والأخوة الشاملة، لماذا لا نفكر في وضع مساقات حرة في المدرسة تنمي رغبات الطالب واحتياجاته الفكرية بعيدا عن اختيار الأهل لمسيرته ؟؟؟
ماذا يريد الطالب اليوم؟
ما يريده الطالب ونريده نحن، مدرسة منفتحة على المجتمع لا سجناً مغلقاً، مدرسة مرسلة وليست فقط مستقبلة للمعلومات، منفتحة على العالم لا منغلقة، مدرسة ديمقراطية وحرة وليست قهراً وتزمتاً وإجحافاً وعنفاً للطالب والمعلم.
نريد مدرسة قيادية تساعد الطالب والمعلم على روح الديمقراطية والمشاركة الفاعلة والفعالة في أخذ القرار، تزرع التفكير الداخلي والعميق والناقد والبناء، لما لا تكون مدارسنا كذلك؟؟؟
أخيراً تحتاج المنظومة التعليمة إلى تحرير العقل والقلب، تحرير العقل من خلال الانتقال من المتكلم المسيطر الفارض لفكره ومعرفته الأُحادية أمام المستقبل المقهور الصامت والفارغ من المعرفة (حسب رأيه) إلى الانتقال من الكأس الفارغ الى الممتلئ بالتعليم التفاعلي والتشاركي فالجميع متعلم ومعلم.
إضافة لتحرير القلب فالتربية دون قيم وأخلاق لا فائدة منها كالتي تصنع من الإنسان شيطاناً ذكياً، فجوهر التربية هو تطوير الصفات العقلية والأخلاقية والمدنية، أي النمو الشامل للإنسان ليس فقط تعليم وإنما تعلم ليس فقط تدريس وإنما تنشئة شاملة مستندة على بناء قيم أخلاقية أساسية.
ما هي المبادئ الأخلاقية التي يزرعها المعلم في الطالب خلال المسيرة التربوية؟ كيف يضع المنهاج الأخلاقي في رسالته: سلوكه وشهادته أمام الطالب، المعلم هو الشاهد والنموذج لبناء الفضائل والتي من أهمها: اللطف, الصدق, العدل, الرأفة والشجاعة، المعلم الخلوق المعلم الإنسان الذي يحمل هذه الصفات له تأثير كبير في حياة الطالب الخاصة والعامة فهو القادر على أن يزرع المبادئ فيه ويربيه على الديمقراطية الحقة والحوار المنطقي العقلاني المثقف بعيداً عن العنف والتهور.
بذلك نصل إلى معتقد أنه لإزالة العنف الجامعة والمدرسي علينا تحرير العقل من خلال الأساليب التربوية التي تخاطب العصر، وتحرير القلب بالأخلاق والقيم والتربية السليمة، وتحرير المنهاج المبني على التحليل والتفكير والإبداع والابتكار وإيصاله من خلال معلم مثال معد دينياً وتربوياً وأكاديمياً وأخلاقياً ليكون أداة التواصل وبناء الشخصية للطالب بعيداً عن العنف.