جريء اعتراف رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، أمام مجلس الأعيان أول من أمس، بهروب استثمارات من الأردن.
الرئيس اعتبر الدوائر الحكومية السبب الأول في المشكلة.
وأكثر من ذلك إقراره أن الإدارة الحكومية مرعوبة من المستثمرين؛ فلا تتخذ قرارات، وتسوّف وتعيق، على حد قول النسور.
الرئيس في المقابل، قال إن حكومته تعمل بقوة لإنهاء حاجز الرعب؛ لحماية تدفق الاستثمار، وتقديم أجواء نفسية مريحة للمستثمرين، تساعد على إنشاء استثمارات لا تعد فقط الأساس في حل مختلف المشاكل الاقتصادية، المالية والنقدية؛ بل هي أيضاً ضرورة للتخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة.
كلام الرئيس فيه اعتراف ضمني بالأخطاء التي ارتكبت بحق المستثمر والبلد في آن. وبالفعل، سمعنا شكاوى كثيرة من مستثمرين غادروا البلد، بعد أن سُدّت الأبواب في وجوههم، وتعثرت معاملاتهم نتيجة رعب الموظف العام من اتخاذ القرار، لخوفه من تبعات التعاون مع المستثمر لإنهاء مهمته بسلام.
حالة التردد في اتخاذ القرار ترتبط بشكل مباشر بخوف كل موظف من أن يصبح قضية فساد، لكن المنطق يقول إن من لا يخطئ لا يتهم، كما أن من اجتهد وأصاب فله أجران، فيما من اجتهد وأخطأ كان له أجر واحد.
الوضع اليوم مرتبط بشكل وثيق بالمشهد خلال السنوات الماضية. فقراءة الحالة تؤكد أن الفوضى التي سيطرت على الوزارات والمؤسسات العامة، أفرزت كثيرا من المسلكيات المخالفة لمعايير النزاهة والشفافية، والتي أدت بدورها إلى تجاوزات إدارية تعبّر، بشكل أو بآخر، عن غياب معايير الحكم الرشيد والحاكمية.
حالة الفوضى تكرست بشكل رئيس بعدم اتباع معايير الشفافية والإفصاح عن بعض صفقات الماضي، ما خلق شعورا شعبيا متهماً للاستثمار. وقد تعاظم هذا الشعور عندما لم يلمس الناس نتائج إيجابية على مستوى حياتهم، لاستثمارات ذات حجوم ضخمة تدفقت على البلد في سنوات خلت.
الانطباع الشعبي السلبي ترافق مع حرب اشاعات ومبالغات في الحديث عن الفساد في مختلف المشاريع، ما جعل الموظف العام مرعوبا من اتخاذ قرار ربما يقوده إلى هيئة مكافحة الفساد، أو إلى أقرب مدع عام.
اليوم، المعطيات تغيرت. إذ لدينا لجنة لتقييم التخاصية تشكلت قبل أشهر، على رأسها الدكتور عمر الرزاز المشهود له بالنزاهة، وبما يعطي مصداقية أكبر لعمل اللجنة المتوقع إعلان نتائج تقييمها لكامل العملية خلال الشهر المقبل.
ما يرشح من معلومات يكشف عن أن تقرير اللجنة سيتضمن توصيات لاتباع أفضل معايير الشفافية في العطاءات والمشاريع.
كما سيقدم تفصيلات حول الممارسات السلبية التي سادت في فترة التخاصية في بعض الصفقات التي لم تراعَ معايير الشفافية في إتمامها.
اليوم، معايير اتخاذ القرار لدى الموظف العام غير واضحة، ولا بد من إقرار تشريع حضاري للاستثمار، بحيث يرتقي إلى أفضل الممارسات العالمية؛ ولا ضير في وضع مدونة سلوك للتعامل مع المستثمرين بما يراعي الشفافية في العملية الاستثمارية من ناحية، ويسهل عمل المستثمر، من ناحية أخرى، ويبعده عن الابتزاز والبيروقراطية الحكومية التي تقتل الرغبة في العمل محليا.
دعم الاستثمار مسألة مهمة للأردن. وثمة دور يقع على كاهل مختلف الأطراف بما فيها الإعلام لدعم المستثمرين والوقوف على مشاكلهم وحلها، في محاولة لتغيير الصورة عن البيئة الاستثمارية التي ما تزال متوفرة لدينا حتماً، بفضل البيئة الآمنة والمستقرة الداعمة للاستثمار.
وثمة مستثمرون من جنسيات عربية مختلفة يسعون للاستثمار في الأردن. لكن المعيقات متعددة، وإزاحتها من طريقهم ضرورة، لتحقيق الفائدة للجميع.
(الغد)