إذا أردت أن تُقلل من حدوث ظاهرة سلبية فعليك أن ترفع كلفتها على المُسبب. وكما يصح هذا الطرح في السياسة المحلية والدولية يصح في مجالات أخرى ومنها مخالفات السير والصحة العامة وضبط الأسعار ولكنه لا يصح على فاقدي الأهلية. ولا بد من رفع كلفة الخطأ الذي يؤدي إلى إيذاء أكثر للمجتمع - ينبغي أن يكون هناك معادلة ترفع الكلفة حسب الضرر الناجم أو الذي يمكن أن ينجم عن الخطأ من باب الأمن الوقائي وليس التجريم القائم على الاحتمال. في السياسة، يدفع من يرتكب خطأ ثمناً قد يكلفه مسيرته السياسية حتى وإن لم يُجرمه عليه القانون. وبالمقابل يحمي القانون حقوق الناس ويصونها. في الانتخابات النيابية الأخيرة كانت ظاهرة بيع وشراء الأصوات من أكثر الأسباب التي أضرت بصدقية العملية الانتخابية ومع ذلك لم يكن هناك إجراءات كافية للحد منها علماً بأن القانون يجرمها. صدقية الانتخابات ورفع مستوى ثقة الأردنيين بمؤسساتهم الوطنية ومنها البرلمان يتطلب رفع كلفة كسر القانون لأن ذلك يعزز مفهوم سيادة القانون وبالتالي سيادة الدولة. عدم تطبيق القانون في مثل هكذا حالات يُشجع بعض الأفراد على ملء الفراغ على حساب سيادة القانون والدولة مما ينعكس سلباً على هيبة الدولة في حال استمرار التجاوز وعدم تطبيق القانون. في الاعتداء على الاستاذ جميل النمري تكتسب مسألة رفع كلفة الخطأ على المعتدي بعداً سيادياً لأن أمن الأردن من أمن إنسانه، وبالتالي لا ينبغي أن نسمح بوجود دولة تطبق قانونها بيدها داخل الدولة.
في الاقتصاد، يمر مجتمعنا الآن بموجة ارتفاع أسعار غير مضبوطة في بعض جوانبها وتشكل عبئا كبيرا على الأسر الأردنية التي تُعاني وتحاول تدبُر أحوالها، بيد أن هناك نوعاً من الاستهتار بالضوابط التي ينبغي أن تكون من مسلمات الحياة العامة الكافلة للوئام الاجتماعي والإحساس بالأمان. وتُشجع عدم كفاية الضوابط الرادعة من مخالفات وغرامات على استمرار ظاهرة الاستهتار هذه. في مواجهة حالة من عدم الارتياح الشعبي لا يجدي أن تكتفي الدولة بالمناشدة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع التي أعفتها الدولة من الرسوم والضرائب. لا بد من رفع كلفة الخطأ على هؤلاء ليشعر المواطن أن الدولة هي صاحبة السيادة، وليس التجار، وتطبق القانون لضبط السوق. ما يجعل دور الدولة ضرورياً هو عدم نضوج قواعد اقتصاد السوق بشكل يسمح للدولة بالانسحاب ولو جزئياً من عملية الرقابة الفعّالة.
في السير، تم رد قانون السير لأنه رفع كلفة الخطأ على من يرتكبه. وهذا يشكل عبئا على المخالف وليس على كل المواطنين. فقدان 7084 شخصاً خلال السنوات العشر الأخيرة وإصابة نحو 175000 في حوادث الطرق يجب أن يكون حافزاً لرفع كلفة الخطأ على من يقطع الإشارة الحمراء مستهتراً بالقانون وبحياة الناس وعلى من يصطف في الأماكن الممنوعة والاصطفاف المزدوج الذي يخلق اختناقات مرورية تُعطل مصالح الناس وعلى من يسابق الرياح.
في الصحة العامة، تنص المادة 4 أ من قانون الصحة العامة على أن تعمل وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة على تشجيع مكافحة التدخين. للأسف أن التدخين موجود داخل بعض المستشفيات ومن قبل عاملين في هذه المستشفيات ناهيك عن وسائل النقل العام والدوائر والمؤسسات الحكومية. وتنفق الأسر الأردنية نحو 207 مليون دينار على التدخين سنوياً. لدى الناس حق الاختيار بان يتعاطوا السجائر وينفقون عليها، ولكن هل حقهم أن ينتهكوا حق الآخرين باستنشاق هواء خال من الدخان؟ وهل من حقهم الإضرار بصحة الآخرين؟ سيادة القانون هي الضمانة لكل فرد في المساواة في الحقوق والواجبات ولا بد من رفع كلفة الخطأ خصوصاً الخطأ الذي ينجم عن كسر القانون وبالتالي يؤذي الأفراد والمجتمع والدولة.
f.braizat@css-jordan.org