بعد لأي انعقد أخيرا مؤتمر «جنيف 2» الخاص بالأزمة السورية في منتجع مونترو بسويسرا بحضور ممثلين عن المعارضة والنظام وبحضور العديد من الدول المعنية بالأزمة السورية من شتى أنحاء العالم.
السؤال الذي يجب طرحه: هل سينجح المؤتمر في إنهاء الأزمة السورية أم لا؟ ومع كل الحشد الدولي السياسي والإعلامي فإن اتفاقا نهائيا ينهي الأزمة السورية برمتها غير ممكن بعد لعدم توفر الشروط اللازمة والضغط الدولي الفاعل لإجبار الأطراف على اتخاذ خطوات جريئة باتجاه مشروع إنقاذ شامل، وافتراض أن طرفي التفاوض متساويان من حيث القوة ومن حيث المسؤولية عن الجرائم البشعة في سوريا هو افتراض خاطئ من الأساس، وما بني على الخطأ لا يورث إلا خطأ.
إن الخطاب الذي ألقاه وزير خارجية نظام بشار الأسد، وليد المعلم، بكل ما حواه من خطابة وبيان وشعارات قومية وبعثية شبه منقرضة يشكل إشارة رمزية لطريقة تفكير النظام، ذلك التفكير البعثي الدموي الصلف الذي يريد أن يصنع ما يشاء كيفما يشاء وقتما يشاء من دون حسيب ولا رقيب، وهو خطاب أبعد ما يكون عن الدبلوماسية وروح التفاوض فضلا عن التنازل، ورمزية أخرى وهو أن نظاما رفض أن يلتزم كغيره من الدول بالوقت المحدد للحديث سيرفض بشكل أكبر أي التزام بنتائج المؤتمر.
إن رحيل بشار الأسد لن يكون عبر التفاوض أبدا وما لم يشعر بتهديد مباشر فإنه كغيره من الديكتاتوريين العتاة لن يمضي ويترك شعبه بسلام، وشواهد التاريخ القديم والمعاصر أكثر من أن تحصى.
الأزمة السورية نموذج للقضايا الدولية شديدة التعقيد، فحجم التداخل والتشابك بين المصالح الدولية والصراعات الإقليمية والتعقيدات الداخلية وإحن التاريخ وقوى الإرهاب كبير وضخم وغير قابل للفرز وبالتالي يجب أن تجري مراعاة كل ذلك لإيجاد مخرج حقيقي قابل للنجاح.
كان لافتا التصعيد في الخطاب الدبلوماسي الذي تبناه جون كيري قبل المؤتمر وأثناءه ضد النظام السوري وبشار الأسد، ولكن شدة الخطاب وحدة اللهجة لم تعد تشكل ضغطا، وخاصة أن إدارة الرئيس أوباما صعدت من قبل بأكثر من هذا ثم تراجعت، وهي على الرغم من كل الدعم الذي تحظى به تجاه الأزمة السورية من غالب الدول الغربية ودول المنطقة والعالم مع موقف متقدم يحسب لفرنسا لم تزل تقدم رجلا وتؤخر أخرى وهي تنتظر الجانب الروسي ليصنع الفارق في نتائج المؤتمر، والجميع يعلم أن روسيا صعدت من جديد على حساب الولايات المتحدة لتكون قوة دولية تشكل قطبا دوليا جديدا، وسوريا تشكل مواجهة وجها لوجه بين الطرفين مع تقدم الروس في التأثير والفاعلية بشكل أكثر وضوحا في صراعات المنطقة.. السعودية ومعها دول الخليج وغالب الدول العربية باتت تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران وجها لوجه. لقد ظهرت الخلافات بشكل حاد على السطح ولم تعد اللغة الدبلوماسية التقليدية ناجعة أو مفيدة، فحدة المواجهات والصراعات وانتشارها وتعدد مستوياتها بين الطرفين أوجبت عليهما أن يتواجها في غالب الملفات الشائكة في المنطقة. وقد نجحت السعودية في حضور جنيف وإقناع المعارضة السورية بالحضور وغابت إيران مما يشكل نجاحا للسعودية والعرب على الأقل في هذه المرحلة وعلى هذا المستوى. ولقد ختم سعود الفيصل خطابه محذرا من خذلان جديد للشعب السوري.
وفد نظام بشار الأسد يواجه الائتلاف السوري وجها لوجه لأول مرة في «جنيف 2» على طاولة افتتاح المؤتمر مع الدول المشاركة، وقد التقيا أمس (السبت) وجها لوجه، ومن المتوقع أيضا اليوم (الأحد)، مع المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، وحين بدا وفد الأسد غير ملتزم ومتعاليا ولا قيمة لديه للوقت ولا للحضور الدولي، فقد بدا السيد أحمد الجربا رئيس ائتلاف المعارضة ملتزما، حيث تحدث بوقته المحدد وعرض قضيته وقضية شعبه وكان يفتش عن شريك، وختم خطابه بكلمة صادقة ومعبرة حين أكد أن «وقت السوريين من دم».
قد ينجح التفاوض في بعض القضايا الإنسانية كالإغاثة والأسرى ونحوها من القضايا ولكنه غير مهيأ لإحداث أي اختراق سياسي ذي أهمية وتأثير على الأرض في سوريا وغيرها من دول المنطقة، فالإرهابيون السنّة يواجهون الإرهابيين الشيعة وجها لوجه، بنفس الأساليب والأدوات والتفكير المدمر، وهي نقطة مواجهة طالما حذر منها بعض الكتاب والمتابعين بأن سير الأحداث في المنطقة يدفع إليها بشدة، وهكذا كان، وهي مواجهة لن يكون من السهل إيقافها حتى تتعب أطرافها وتخسر وتعاني وحتى يكتشف الإرهابيون عبث التشبث بالآيديولوجيا المتطرفة، وذلك أمر يحتاج لسنين عددا ما لم تفرض الحلول السياسية نفسها وتحظى بالدعم اللازم لتحقيق النجاح والأمن والقضاء على الإرهاب بكافة أشكاله.
يغذي تلك المواجهة الإرهابية كوامن التاريخ الأعمق والأكثر تخلفا كالطائفية، فيسهل رصد المواجهة الطائفية وصراعاتها وتفاصيلها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهي حقيقة مؤلمة ومخيفة ولكن يجب الاعتراف بها ورسم طرق مواجهتها أو التعامل معها. لقد تواجه الإرهابيون والطائفيون، إنها مواجهة الأشرار وصراع الأشرار الذي لا يمكن أن ينتج خيرا.
في كل قضية من هذه القضايا ثمة وجهات نظر في قراءتها وتحليلها ومقاربتها، تلك التي تتعمق في التفاصيل لتخرج برؤية عامة، وتلك التي تبحث في الأمور العامة من فلسفة وتاريخ وثقافة وسياسة لتطبقها على التفاصيل لحدث معين هنا أو هناك، وكلتاهما مفيدة حين يجري طرحها بعلم ومنطق.
غير بعيد من جنيف ومن منتدى دافوس أطلق وزير خارجية إيران محمد ظريف دعوة لخروج جميع المقاتلين الأجانب من سوريا، وهو ركز على تنظيم القاعدة وتهرب من علاقة دولته بـ«القاعدة» ودافع عن حق حزب الله وكتائب العراقيين الشيعة في الدفاع عما يعتقدونه مقدسات داخل سوريا، وهو موقف مهما حاول تغطيته بلغة دبلوماسية فإنه يظهر الدور الإيراني المعادي للشعب السوري والدول العربية، وهو غالط كعادته في تطرقه لمشاكل إيران مع الدول العربية.
أخيرا، فإن الحرب الأهلية في سوريا تتجلى فيها جميع الصراعات.. السياسية الدولية والإقليمية والداخلية، والهوياتية الخطيرة كالطائفية والإثنية والقبلية، والمحلية التي تتضح في الصراعات المسلحة المنتشرة على كامل الخريطة السورية بين المجموعات المسلحة، وأي حل في سوريا يجب أن يضمن تجاوز كل هذه الصراعات، وهو أمر لم يزل بعيد المنال.
(الشرق الأوسط)