عمون - لثوان ودقائق ، لساعات وأيام ، لأسابيع وأشهر ، لسنين وأجيال هكذا يبنى الإستثمار وهكذا يرى فيه ساسة الاقتصاد والمال ثمناً لكل جزء من الوقت والعمل، فالإستثمار ليس مجرد أماني وقصائد وكلمات توضع في مواد قانونية فتطربك تارة وتحلق بك الى السماء تارة أخرى وبعد برهة من الزمن تبدأ حلقات الامتغاص والانتقاد مما يستلزم إعادة الهيكلة والإصلاح في ملف الاستثمار !!
لقد بلغ حجم الاستثمارات التي تقدمت للاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار في الأردن خلال العام 2013 حوالي 1.9 مليار دينار، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 19.5 % مقارنة بما حققته هذه الاستثمارات في نفس الفترة من العام 2012 والتي بلغت 1.6 مليار دينار. وشكلت الاستثمارات المحلية نسبة 41% وبحجم استثمار قدره 797 مليون دينار، في حين بلغت الاستثمارات الأجنبية حوالي 1132 مليونا مشكلة ما نسبته 59% من حجم الاستثمارات الكلية. وبمقارنة مبدئية بين حجم الاستثمار الأردني والاستثمار البريطاني فقد بلغ حجم الاستثمارات الخليجية فقط في بريطانيا عام 2012 مائة مليار جنيه إسترليني منها 60 مليار جنيه استثمارات سعودية، و20 مليارا قطرية، والباقي موزع بين الإمارات والكويت والبحرين وعمان. (المجلة، لندن، 2013). ( إستثمارات بمائة مليار من الخليج العربي فقط مقابل مليار واحد حجم الاستثمار الكلي ) !! والسؤال لماذا لا نوجد الآلية الأمثل لإستقطاب جزء من هذه المليارات للأردن !!
لقد تمركزت النسبة الأكبر من الاستثمارات الكلية المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار خلال السنوات السابقة (2010-2011) في العاصمة عمان بنسبة 82%، حيث بلغ عدد المشاريع 153 بقيمة استثمارية كلية بلغت 580 مليون دينار أردني. وشكلت الاستثمارات الأجنبية في العاصمة ما نسبته 45% من الاستثمار الكلي بقيمة 263 مليون دينار أردني. وتوزعت الاستثمارات على بقية المحافظات كالآتي: محافظة الزرقاء بنسبة 4.6%، ومعان بنسبة 2.5%، ومحافظتي البلقاء والكرك بنسبة 2.3% لكليهما، وجرش بنسبة 1.9%، والمفرق بنسبة 1.4%، واربد بنسبة 1.3%. (جريدة الرأي، 2012).
إن أجندات الاقتصاد والاستثمار والمال والأعمال تشهد تغيراً متسارعاً مما يستلزم تحديد وتحديث الوجهات الإستثمارية الأمثل للمستثمر الأمثل من خلال الإستقطاب الأمثل من خلال مجموعة من الحقائق والأرقام الملموسة والدلالات الإحصائية والتقييم المنهجي العلمي فابتكار الخارطة الإستثمارية يستلزم إستقطاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية في محاولة جادة إلى عكس أحداث الإستثمار على الوطن والمواطن.
إن القانون الذي لا ينظر إلا القطاعات المختلفة برؤية مختلفة ، وإلى آليات التصميم والتخطيط والتطبيق والتنفيذ والوقت ويتجاهل الزمن ودلالات الخارطة العالمية في الإستثمار. لا يتناول الاقتصاد المحلي والاقليمي والعالمي بنظرة شمولية وتنحصر أجنداته بفئات محددة وبسقوف محددة . يبدأ بمن يمتلكون الملايين وينتهي بمن يمكلون الآف الملايين وينسى او يتناسى صغار المستثمرين وصغار المناطق . يعطي الحق للمستثمر الأجنبي بأن يدخل أمواله إلى المملكة ويقترض ويخرج أرباحه بعد وهلة من الزمن ولا تنعكس نتائج إستثماراته على الوطن والمواطن ... كل هذا وذاك يقودنا إلى الطرب والترنم والتأمل والتفكر في ما كان وما لم يكن وما كان يمكن أن يكون !!
إن ثورة في مفهوم الإستثمار تقضي بأن يوضع الأردن على خارطة الاستثمار العالمي من خلال جذب الإستثمارات في كافة القطاعات ولكافة مناطق المملكة إستناداً إلى الإحتياجات الإستثمارية وبمشاركة المستثمرين من الداخل والخارج لمعرفة فرص الإستثمار والوقوف على واقع الاستثمار بحيث يصبح الأردن مركزاً إستثمارياً في المنطقة.
إن إدارة الإستثمار تحتم أن ينظر إلى كافة مناطق المملكة كوحدات استثمارية تتمتع باللامركزية بحيث تدار الاستثمارات بشكل أكثر ديناميكية وبما يحقق فاعلية الأداء ويسهل على المستثمرين ، كما أن من الحكمة اليوم أن يتم إستهداف بعض الدول في عملية الإستقطاب فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان إستطاعت أن تقود حركة الإستثمار العالمي عبر إستهداف الإستثمار ونوع الإستثمار ودول الإستثمار.
إن خارطة إستثمارية متزنة تكفل جلب الإستثمارات النوعية وإيجاد الإقتصاد المعرفي وإستغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحقيق التنمية المستدامة وزيادة فرص العمل وتخفيض نسب الفقر وتحفيز وتوجيه الاقتصاد لإنجاز ملفات تنمية المحافظات والبلديات وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
إن من الحكمة وقبل الشروع في وضع قانون للإستثمار أن يصار إلى دراسة الأوضاع الاقتصادية المحلية والعربية والعالمية وربطها بالاستثمارات المحلية مع قراءة متأنية لللاستثمارات العربية والعالمية وتقييم أداء الاقتصاد الوطني والنمو الاقتصادي وتحليل الاستهلاك ونسب التضخم والوقوف على أرقام القطاع المالي والنقدي والمصرفي ومؤشرات السيولة والإدخار وسعر الفائدة وميزان المدفوعات والتجارة الخارجي والصادرات والتنوع الاستثماري والتنمية المتوازنة وتوزع السكان والقوى العاملة والتوقعات الاستثمارية والاقتصادية كما أن تحسين عمليات الأعمال والحوكمة والإمتثال وتطوير طرق واستراتيجيات جديدة نحو الأسواق يعتبر من الأهمية في هذا المقام.
أخيراً وليس آخراً فإن العديد من الدول عملت ومنذ سنوات على تطوير تشريعاتها الاقتصادية والمالية والاستثمارية بشكل إنعكس على مقدرات دولها ومواطنيهم وما زلت تعمل بشكل فاعل من أجل إستغلال أية مدخرات أو أموال لصالح دولها من خلال نافذة إستثمارية فاعلة تضم في جعبتها أطيافاً من الطاقات الكفؤة والمدربة التي تعي وتدرك كافة أبعاد الإستثمار وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قامت الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار إلى تعزيز العلاقات التجارية الثنائية مع دولة الإمارات في قطاعي السلع والخدمات لتصل إلى 12 مليار جنيه إسترليني أي ما يقارب من 20 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2015. (جريدة الشرق الأوسط ، 2014) . كما قام عمدة لندن بوريس جونسون مؤخرا وعلى رأس وفد من رجال الأعمال البريطانيين بزيارة إلى منطقة الخليج بهدف استقطاب مستثمرين خليجيين لضخ استثمارات في لندن والمناطق المجاورة لها ودعا إلى المشاركة في إنشاء المطار الجديد المزمع بناؤه بمنطقة قريبة من العاصمة البريطانية لندن بتكلفة 80 مليار إسترليني بمعنى أدق فإن الدول الغربية تعمل بشكل علمي ومدروس للإستفادة من كافة الأموال الفائضة لدى العديد من الدول عبر استثمارات حيوية وبما يخدم مواطنيها واقتصادها.