التوجيهي شبح الرعب والموت
محمود الضمور
11-02-2008 02:00 AM
يطارد شبح الرعب والخوف كل بيت وأسرة في الأردن وكل شاب يمر في هذه المرحلة من مراحل التفتح الإنساني على الحياة ، والنزوع إلى المستقبل ، ويحس كل فرد في الأسرة انه يسير على حبل رفيع متأرجح في الفضاء لا يعرف إلى أين يهوى وهل ستقوده النتيجة إلى الجنة أم النار .هذه هي النتيجة 50 % من الشعب الأردني أجيالا تلو أجيال وبالحد الأدنى هم دون مستوى المناهج ودون مستوى الإدراك والوعي لما تحتويه الكتب التي جهدت وزارة التربية على استبدالها وتغييرها كل عام أو عاميين بذريعة التغيير والتطوير ومراعاة حاجات السوق ، 50% من كل جيل لا يحصلون على معدل النجاح وخمسون بالمائة من الناجحين لا تتجاوز معدلاتهم نسبة 65% التي تخولهم لدخول الجامعات ، وبمعنى آخر أن نسبة الناجحين فعلا لا تتجاوز 25% من الطلبة .
مفارقة ما بعدها مفارقة ان يكون طلابنا في المراحل الابتدائية والمتوسطة ، وحتى الصف العاشر من المتفوقين والمبدعين بحيث لا تتجاوز نسبة الرسوب 10% من أسوا المدارس حظا ونسبة النجاح تتعدى 90% وهذه النسبة تتعدى النسبة تعكس مدى الرعاية والاهتمام الذي يوليه أولياء الأمور لأبنائهم تدريسيا ورعاية صحية ونفسية .
ونتساءل من الذي يهبط بهذه النسبة إلى هذا الدرك السحيق بين التفوق والإبداع وبين الفشل الذريع الذي لا يصيب الطلاب وحدهم ، لكن يصيب الأهل والمدارس والأقارب والجيران إذا كانت هذه النتائج صحيحة فلما يتردى المستوى العام للمدراس " المتميزة والمبدعة " إلى هذا الدرك السحيق فتصبح نسبة الناجحين 20 أو 30 % أو خمسين في المائة بعد الصف الثاني الثانوي ، وهل ان هذا التردي أن صح سببه الإهمال في إعداد المدرسين أو رفع مستوى التعليم إلى مستويات ذهنية وعقلية تفوق مستوى الطلاب وعقليتهم ، ام انه غير هذا وذاك .
علما بان معظم طلبة التوجيهي وما قبله بعام يحصلون على رعاية كبيرة من الأهل ويضطرون إلى اخذ الدروس الخصوصية وبأسعار خيالية وبأجور عالية تتعدى في كثير من الأحيان قدرة أصحاب الدخل المحدود ، وتكون على حساب أبنائهم الآخرين ، وعلى حساب قوتهم الضروري .
وفي الحقيقة أن نسبة الفشل الذي تظهرها نتائج الثانوية العامة لا تعكس فشل وزارة التربية والتعليم فحسب ولكن فشل السياسية التعليمية التي تحكم على شعب بكاملة بان مستوى قدراته وذكائه لا تتعدى نسبة 50 % وان هذه السياسات التي تحبط شعبنا ، وتدفع بعضا من ضعاف المقاومة الى ارتكاب حماقات بحق انفسهم وتعريضها للهلاك والموت أما سببه ومنشأه هذه الضغوط النفسية التي يخضع لها الطلبة وذووهم ، وهذا الظلم المجحف الذي يقع نتيجة ذلك .
لماذا لا يكون النجاح في كل المراحل الدراسية مبنيا ً على الكفاءة والقدرة ، وليس على المنهجية التي تلزم المدارس بان لاتزيد نسبة الرسوب فيها عن 10 – 15 % وبالتالي فان الطالب حينما يصل إلى مرحلة الثانوية العامة يكون قد هيء واعد إعداد جيدا للانتقال الى مرحلة الجامعةاو سوق العمل مقتدرا ومهيئا لمواجهة الامتحان مهما بلغت صعوبته .
ولماذا هذا التشدد على التوجيهي والاهتمام في المراحل التي تسبقه والمراحل التي تأتي بعده فنحن نعرف جيدا أن كثيرا ممن يدخلون إلى الجامعات ، وبعض الجامعات الحكومية يحصلون على الشهادة بشتى الطرق ولا يكونون في كثير من الأحيان مهيئين للانتقال إلى المراحل العملية .
صحيح أن رسوب نسبة عالية من الطلاب في المراحل التي تسبق مرحلة التوجيهي تتطلب التوسع في عدد المدارس لاستيعاب نسبة إضافية من الدارسين ، وتتطلب كادرا تدريسيا بتخصصات إضافية .
لكن هذه الخسارة لا تعادل بأي شكل من أشكال الخسائر المادية التي تترتب على رسوب نسبة 50 % او الخسائر النفسية والأضرار التي تلحقها النتائج بالمجتمع الأردني قبل التوجيهي وأثناءه وبعده .
لقدت شهدت السنوات السابقة تغيرات جينية في المناهج والأساليب ، ووضع الطلبة في مختبر سئ لوزارة التربية لتمارس فيه كل أنواع التجارب وكان طلبتنا فئران التجارب كل يوم يواجههون بمنهج جديد وكل يوم بنظام جديد حتى لم يعد الطلاب والأهل والمدرسون على دراية بالآلية التي يحصل فيها الطلاب على شهادة وكيف يتم التعامل معه عند إكماله أو رسوبه وكيف يعيد الدروس التي رسب فيها ، فتارة يكون الامتحان سنويا وأخرى فصليا أو متعدد الفصول وتارة يجوز فيها الإكمال ، وسنة أخرى لا يجوز الإعادة ، ويتقدم الناجحون للجامعات في بداية السنة الدراسية ووسطها وما بينها في حالة من الاضطراب والفوضى .
أن الشباب الذين حكموا على أنفسهم بالموت أو الذين أصيبوا بجروح نازفة نفسية وجسدية وان الأسر التي تدفع ثمنا باهضا من الألم والبؤس والشقاء نتيجة ما تكابده من خوف ورعب على مستقبل أبنائها وخسائر مادية تلحق بها ، وان المجتمع الذي يضحي ب 50 % من أبناء كل جيل من أجياله إنما تتحمل مسؤوليتها
وزارة التربية نتيجة سياساته الخاطئة التي لن تجلب على الجميع غير البؤس والشقاء .
أن المطلوب هو إعادة النظر في تقييم الطلبة في كل مرحلة من مراحلهم الدراسية وتقييم الأداء الدراسي في المدارس الحكومية والخاصة كما كان علية الحال في عقود من القرن الماضي .
ولعل من البديهي أن يكون للتنائج التي يحصل عليها الطلبة في مدارسهم نسبة من العلامات التي يقيم على أساسها الطالب كما هو معمول به في بعض الدول العربية .
ان المطلوب هو ان تكون المناهج الدراسية منسجمة مع المستوى الدولي العام ومراعية لحاجة السوق ومتطلبات التنمية ومتلائمة مع كل مرحلة من من مراحل العمر العقلي والذهني للطالب خاصة وان بعض المواد التي تدرس في الثانوية العامة تدخل في مناهج متقدمة بسنوات من الدارسة الجامعية المتخصصة فليس المطلوب ان يكون كل طالب في الفرع العلمي عالما في الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء وعلوم الأرض واللغات والأديان والمعلومات العامة ولكن المطلوب أن يتم توجيه الطلاب كل حسب اهتماماتهم ورغباته ونزوعه والمطلوب هو إعادة النظر في التعليم المهني بشكل جدي بحيث يراعي فعلا حاجة السوق بدلا من إزهاق جهود عشرات الآلاف في كل عام الى غائلة الجوع والفقر والحرمان نتيجة انعدام الفرص الموعودة في العمل .
لماذا لا يرتبط منح رخص المهن في الكهرباء والميكانيك والحدادة والنجارة وغيرها من المهن بحملة الشهادات من خريجي الفرع المهني بدلا من إعطائه
لمن هب ودب ، بحيث يكتسب هؤلاء جانبا معنويا وماديا في أن معا بدلا من دفعهم الى التعليم الأكاديمي الذي لا يتسع إلى الجميع ، وليس متاحاً للجميع مواصلة تعليمهم الجامعي بعد أن أصبح حكرا على المقتدرين ماديا بعد ارتفاع تكاليفه وعدم جدوى كثير من الاختصاصات التي تدرسها الجامعات الخاصة .
لقد أن الأوان آن يرفع الجميع أصواتهم لمطاردة شبح الرعب والخوف الذي ينشره ( التوجيهي ) .