لم تُفلح تصريحات المسؤولين الحكوميين، وخطاباتهم وشروحاتهم، في احتواء حالة القلق المتصاعد في أوساط النخب السياسية والقوى الاجتماعية حيال مسائل داخلية وإقليمية.
عاملان رئيسان يقفان خلف هذه الحالة: الأول، قرار الحكومة بمنح حقوق مدنية مقيدة لأبناء الأردنيات. والثاني، خطة كيري المزعومة لتسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
القضية الأولى فصّلها بيان حكومي، وعرض جوانبها أكثر من مسؤول حكومي. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيا لتبديد مخاوف شخص مثل رياض أبوكركي، الذي كان قبل سنة فقط رئيسا للديوان الملكي، ويُفترض أن يكون، بحكم موقعه هذا، عالما بسياسة الدولة؛ فكيف والحال كذلك سيقتنع مواطن عادي أو ناشط سياسي؟!
النخبة السياسية الأردنية، إن كان التعبير دقيقا، نخبة عجيبة حقا؛ لا تشعر بالاطمئنان على البلد ومستقبله، إلا إذا كانت في موقع المسؤولية.
وما إنْ تغادره، حتى يصبح مصير الوطن في مهب الريح. ليس المقصود بهذا التعبير أبو كركي، بل طبقة عريضة من سياسيي الدولة ورجالها.
في القضية الثانية، تصر نخب محسوبة على الدولة وعلى المعارضة أن هناك خطة جاهزة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن. نفى وزير الخارجية ناصر جودة، تلك الأقاويل جملة وتفصيلا، ونفاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ثم كيري نفسه قال إنه لم يبلور تصورا بعد.
لكن من يُقنع النخب المتأهبة للانقضاض على كيري الذي بات شخصا غير مرغوب فيه، كما صرحت أحزاب سياسية أردنية!
لكن ماذا نقول؛ إنها أزمة الثقة بالدولة. لقد فعلت فعلها، ولم تعد تصريحات المسؤولين تلقى قبولا عند الناس، حتى لو كانت حول حالة الطقس، فكيف بشأن أمور حساسة كالتي يدور حولها الجدل؟!
والإخوة في الساحة الفلسطينية لا يساعدون الأردن على كبح جماح الهواجس الشعبية؛ التصريحات المنسوبة للقيادي الفلسطيني عزام الأحمد، والتي قال فيها إن السلطة الفلسطينية أبلغت الملك عبدالله الثاني ترحيبها بوجود قوات أردنية على الأراضي الفلسطينية، تؤجج مشاعر القلق هنا، وتستخدم كدليل دامغ من قبل البعض على وجود مخطط لتصفية القضية الفلسطينية، عبر بوابة الكونفدرالية أو الفدرالية.
الأحمد لا يهمه الأمر؛ أطلق التصريحات في"سهرة" عمانية، من دون أن يدرك العواقب المترتبة عليها.ومثله كثيرون من رموز السلطة الفلسطينية الذين يقضون معظم أوقاتهم في عمان.
قبل أشهر، وتحديدا في نيسان (أبريل) الماضي، قال الملك في حديث مع صحفيين رافقوه في زيارة لواشنطن، إنه سئم من عادة مفروضة عليه سنويا، تستدعي منه كل سنة تقريبا أن يخرج للرأي العام ويكرر لاءاته المشهورة برفض التوطين والوطن البديل وإرسال الدبابات الأردنية لتحل مكان الإسرائيلية في الضفة الغربية. وتمنى يومها أن لا يُضطر لقول ذلك مرة "عاشرة"، لأنها في نظره ثوابت، لا يمكن اللعب بها مهما حصل.
لكن الأجواء المتصاعدة حاليا في عمان، ربما تتطلب خروج مسؤول كبير ليعيد القول من جديد، ويفرد الوقائع كاملة حول المفاوضات الجارية، ويشرح بالتفصيل مواقف الأردن ومبررات قراراته الداخلية ومداخلاته الإقليمية، خاصة في الشأن الفلسطيني. فالنخب الأردنية مثل أصحاب الأمراض المزمنة، يحتاجون لجرعات دورية من المضادات الحيوية، للسيطرة على أعراض مزمنة تلازمهم منذ عقود طويلة.
(الغد)