لا بديل عن الأمل بنجاح مؤتمر "جنيف 2" في التوصل إلى حل في سورية، مع أن الأمل يكاد يكون معدوما بهذا الحل. والأمر الأساسي من وجهة نظري، هو أن المؤتمر مكرس للتفاوض، وليس لاتخاذ قرار. وبعد الخطابات الافتتاحية وحفل المشاركة الدولية، ستكون قد بدأت أمس المفاوضات بين الجانبين (النظام والمعارضة) برعاية الأمم المتحدة وأميركا وروسيا.
الصحيح أن يكون المؤتمر مساومة بين الأطراف الكبرى على صيغة لإنهاء الحرب، تُقرر وتُفرض على الأرض؛ صيغة للمرحلة الانتقالية إذا ما تم التفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا عليها، يمكن تحويلها إلى قرار أممي من مجلس الأمن، يُفرض تطبيقه بالقوة إذا لم تلتزم الأطراف به، تماما كما حصل مع القرار حول السلاح الكيماوي الذي اضطر النظام لتنفيذه بحذافيره، لكن ويا للحسرة، ففي هذا كان ثمة مصلحة إسرائيلية مباشرة، وفرصة تاريخية لنزع هذا السلاح من سورية، وافقت عليها بطيب خاطر روسيا. أما توفير دم السوريين وعذاباتهم ودمار وطنهم، فليس بالمصلحة التي تقض مضجع الجميع، بما يقتضي حلا عاجلا يُفرض فرضا.
لا أتابع كثيرا تفاصيل مؤتمر "جنيف 2"؛ فلا شيء حقيقيا يستحق الاهتمام. لكن لفت انتباهي الخبر عن السؤال الذي وجهه صحفي إلى وزير الإعلام السوري: "لماذا لا تقصفون داعش؟!". ولاحق الصحفي وزير الإعلام السوري مكررا السؤال إياه 14 مرة، من دون أن يجيب الوزير عنه.
وقد كان هناك دائما حديث من المعارضة عن دعم وتشجيع النظام لـ"داعش"، وإطلاق سراح مئات السلفيين للالتحاق بها، ووجود رجال أمن من النظام معها. لكننا كنا نضع كل ذلك برسم التحقق كادّعاءات لا نستطيع الأخذ بها. إنما يلفت الانتباه أن النظام بالفعل لا يقصف المواقع التي تسيطر عليها "داعش"، وتنصب نفسها فيها سلطة لدولة العراق والشام الإسلامية، وحيث يوجد لها مقرات ومعسكرات معلنة وعلنية، مثل محافظة الرقة.
و"داعش" بالأساس لم تظهر كطرف حرر مناطق من سلطة النظام، بل طرف سيطر على مناطق محررة، منتزعا إياها من يد الجيش الحر، ثم لاحقا من يد "جبهة النصرة" التي دخلت "داعش" معها في صراع أيضا. كما مارست "داعش" الوحشية في مناطق سلطتها، وجعلت الذبح منهجها، حتى بدت "جبهة النصرة"، وهي المعتمدة رسميا كفرع لـ"القاعدة"، حملا وديعا أمامها. وقد قامت بقية الفصائل الإسلامية، بدعم ورعاية سعودية، بإعلان جبهة موحدة ضد "داعش".
وعلى كل حال، فإن تمفصلات المجموعات والكتائب أضحت خريطة معقدة ومتحركة بخيوط مخابراتية متعددة، لا يمكن الجزم بشأنها وبصحة التقارير والتحليلات حولها. وهي جزء من خريطة اللعبة الدموية التي أشبعت الأرض السورية دما. وأشير على وجه الخصوص إلى آخر تقرير عن الصور ( 55 ألف صورة) التي يقال إن عسكريا منشقا عن النظام قام بتسريبها، وتُظهر وحشية مرعبة لضحايا أُعدموا تعذيبا أو تجويعا حتى الموت.
الخشية أن "جنيف 2" سيتحول إلى غطاء دائم للحرب الأهلية. فسابقا، كان الرأي العام الدولي يضغط من أجل التدخل السياسي أو العسكري لإنهاء الفظاعات. أما الآن، فالتدخل موجود وقائم، من خلال رعاية المفاوضات.
(الغد)