تتباهى وزارة التنمية الاجتماعية كل يوم واخر بنشر خبر حول القاء القبض على متسولين، والزج بهم خلف قضبان السجون، متناسية انها لو نفذت دورها بشكل سليم عبر دعم عادل للاسر الفقيرة لما بقي لدينا لا متسولون ولا ما يحزنون ..بدلا من التبجح بالقبض على فقراء لا يجدون كسرة خبز ليسكتوا بها جوعهم الكافر.
عندما تطلع علينا وزارة التنمية كل تارة واخرى باخبار كهذه معتقدة انها "انجازات لمعالي الوزيرة" ..دون ان تعي انها فضيحة بامتياز تكشفها الوزارة بنفسها عن فشل سياساتها وسياسة الحكومة بمحاربة الفقر، ومساعدة العوائل المستورة، فانه دليل قطعي ان اعداد المتسولين الذين ازدادوا يعود الفضل فيها الى سياسات التنمية لحكومتنا الرشيدة !
وتسألون لماذا يتسول الفقراء في بلدي ؟
عندما يصبح رفع الاسعار على المواطنين، روتينا يوميا .. وتصبح الضرائب المفروضة عليه، اكثر من عدد شعر رأسه ..ويكون دخله الشهري، لا يكفي لايجار غرفة ومطبخ.. وتصبح اسعار السلع الادنى من الاساسية، هي الاسباب الاساسية للاصابة بالجلطة والامراض النفسية المستعصية، فان التسول يكون الطريق الوحيد، لسد الافواه التي لا تجد لقمة !
عندما يعود رب الاسرة لبيته مساء، ويرى الدموع بعيون اطفاله الجوعى.. ويدخل يده في جيبه فلا يجد سوى فواتير المياه والكهرباء غير المسددة بعد، كيف يطيب له النوم ليلتها على اصوات انات من يتقلبون جوعا والما ؟
عندما تكون "الثلاجة" في المنزل فارغة تماما، وانبوبة الغاز فارغة تماما، وجيوب المواطن الغلبان فارغة منذ ان اشترى ملابسه الاوروبية المستعملة، قبل ربع قرن وما زالت على هيكله العظمي.. ولا يكون قادرا على شراء بضع حبات من الفاكهة، وعد زوجته واولاده بها منذ سنين توقف عن احتسابها قبل عشر سنين، وما زال يعود اليهم كل ليلة ناكثا وعده، مطأطأ الرأس امامهم بكل عجز الرجال وقهرهم .. تتساوى كل الاقدار ساعتها ؟!.. ولا تعود هناك ادنى قيمة لاي نتائج أو عواقب..!
وتسألون لماذا يتسول الفقراء في بلدي ؟ يتسولون لان الفقر لعين .. والحياة معه وبه العن ، ولان كل الذين يزعمون انهم يبحثون عن حل لمشكلة الفقر في بلادنا، لا يعرفون ما هو الفقر اساسا.؟؟ ولم يناموا ليلة واحدة دون اكل الكافيار، والماكولات البحرية المنشطة جنسياً.. ولم يجربوا رعشة البرد عندما تلامس جسدا لا يجد ما يتدثر به سوى جلده !
التسول بات امرا طبيعيا في هكذا زمان "اعوج"، ولولا كرامة الكثيرين ممن لا يجدون قوت يومهم في بلادي، لتحول نصف الشعب واكثر الى متسولين على عتبات قصور "رجالات البزنس".. التي تطعم فيها الكلاب هناك اطعمة مستوردة من دول اوروبية، ثمنها اغلى من دمنا ..!
وتسألون لماذا يتسول الفقراء في بلدي ؟
عندما يصنف الاردن بالامس، كاغلى دولة معيشية في الوطن العربي، ويكون الحد الادنى للرواتب فيه، لا يكفي لاستئجار سقيفة.. ومعدل رواتب الموظفين تحييهم تحت خط الفقر والقهر والهذيان ،بالف خط وخط .. فان الرصيف يكون المكان الانسب للبعض احيانا.. بدلا من تعاطي حبوب الهلوسة، او التخلص من الحياة كلها في لحظة طائشة !
عندما تتبجح علينا الحكومة بارقام الموازنة، وحنكتها بادارة اموال الدولة، في وقت قد استنفذت فيه جميع خططها لحل مشكلتي المديونية وعجز الموازنة، عبر رفع الاسعار على المواطن، وزاد عجز الموازنة وارتفعت المديونية، ووصل فقر المواطنين الى منطقة تبعد عن الحضيص مسافات لا يمكن قياسها، فان المواطن الذي يخشى ان تسمع الحكومة صوته بانه غير مقتنع بكلامها "قيد ذرة"، يفضل ان يتوجه الى اقرب رصيف لمد يده، بدلا من التوجه الى (مراكز الاصلاح والتاهيل) ..لدفع ضريبة اخرى قد تفرضها الحكومة على كلماته وهو في حالة غضب عارم !
وبالامس القريب اعلنت وزارة التنمية ان كفالة المتسولين الذين يقبض عليهم وصل بعضها الى رقم يقارب الخمسين الف دينار، وتوزع الوزارة المبجلة بياناتها الصحفية المضحكة المبكية كل ليلة وضحاها، بانه تم ايداع عدد من الفقراء المتسولين الى السجون بتهم .. (الفقر) ..و(الجوع) ..وتمني الموت بدل من حياتهم البائسة..
ضعوا ما شئتم من المتسولين في السجون "يا سادتنا".. فوالله ان غالبيتهم يعيشون داخل مهاجعها حياة اعفّ بالف مرة من حياتهم على الارصفة والطرقات، وامام شارات مرور مترقبين مركبة فارهة يقودها "ابن معاليه المدلل " ليلقي عليهم بضعة قروش وهو في طريقه الى سهرة ماجنة "يرش" فيها نقودا في "ساعة صحيان" على "راقصة مستوردة" تكفي لتعتاش منها عائلة مستورة فقيرة دهرا كاملا واكثر !
نريد لو مرة واحدة ان نقرأ لو (خبرا كاذبا) انه تم الزج بفاسد نهب البلاد والعباد خلف القضبان يا حكومتنا المبجلة ؟؟
نريد من الاف القضايا و"الفايلات" المكدسة لدى دائرة مكافحة الفساد ان توصل فاسدا واحدا الى "قفقفة" او "سواقة" !
نريد ان يلقى القبض على لصوص المركبات الذين يقايضون - على الملأ - لرد المسروقات الى اصحابها مقابل " فدية" .. او القبض على من يبيعون المخدرات ويروجونها على عينك يا تاجر، حتى غدوا كما "كارتيلات" امريكا اللاتينية !!
ويسألونك عن هيبة الدولة ..!؟
ثم ، لماذا يوضع الفقراء خلف قضبان السجون في بلدي ؟؟ والفاسدون الذين جففوا الضرع.. ونهبوا الزرع، واتخموا كروشهم بنقود ضرائبنا التي جبيت منا طيلة اعمارنا المنهكة، يرتعون في اوروبا على ظهور يخوتهم وجواريهم ويغدقون النقود التي اقتطعوها من افواه اولادنا على متعرية روسية بخمارات باريس ولندن ..!
اذا كان التسول جريمة تستحق السجن يا معالي وزيرة التنمية، فيجب ايضا محاسبة حكوماتنا التي تتسول من دول الخليج، والعالم الغربي، منذ عشرات السنين ، ووضعها في زنزانة واحدة مع المتسولين والفقراء في وطني !!