شاهدتم، وسمعتم ما قاله أصحاب الياقات البيضاء والبذّات الأنيقة ذات الألوان البرّاقة الذين التقوا في مدينة سياحية سويسرية باذخة وجميلة يعشق سكانها موسيقى الجاز، ولهذا تقيم بلديتها مهرجاناً سنوياً للفرق ذات الصلة التي تحيل هدوءها إلى صخب جميل، على غير ما يرطن به مندوبو الدول التي دُعيت أو استدعيت أو أُضيفت رقماً في مؤتمر جنيف 2، ظنّاً من السذج بأن هؤلاء يمكن أن يُؤثّروا في قرارات الكبار، أو أن الأخيرين (الكبار) يمكن أن يتأثروا بهؤلاء الصغار، اللهم إلاّ عند دفع الفواتير أو تقديم الدعم اللوجستي وتوفير الخدمات والقيام بالعمليات القذرة التي يترفع الخواجا «الأبيض» عن القيام (أحياناً وليس دائماً بالطبع).
ما علينا
إلتأم.. ما أُثيرت حوله السجالات وما خُص بالجدل، وارتفاع سقف التوقعات، على نحو بدا للبعض (اقرأ للسذج)، أن مجرد انعقاد جنيف2، سيضع الأزمة السورية على سكة الحل ويؤسس لمشهد سوري جديد، يتولى السوريون أنفسهم (ووحدهم) وضع تفصيلاته وتحديد ملامح المرحلة الجديدة التي ستعبرها سوريا، بلا عنف أو إرهاب أو قمع أو اقصاء واستئصال أو التخفي خلف نصوص دينية أو احتكار للحقيقة والنطق باسم السماء وتوزيع شهادات الوطنية والكفاءة والترويج لثقافة الاستحواذ وأيضاً ودائماً في تكريس التعددية والتنافس والاحتكام لصناديق الاقتراع وتبني مبادئ العدالة الاجتماعية، ورفض النيوليبرالية في الاقتصاد والاستثمار والإبقاء على دور القطاع العام وخصوصاً في إعداد الخطط، وبرامج إعادة الإعمار وعودة المُهجّرين والعمل بدأب ومثابرة من اجل انجاز مصالحة شاملة افقية وعامودية تعيد لسوريا ألقها ومجدها وتفتح الطريق على استعادة دورها المحوري في المنطقة، بعد ان سعى كثيرون لسرقة هذا الدور او الطمس عليه وتعطيله او اعتباره جزءا من نفوذهم او ساحة ومنصة ينطلقون منها، تداعبهم احلام يقظة (اقرأ هلوسات) بامكانية اعادة عجلة التاريخ الى الوراء عبر استرداد إرث مزعوم وامجاد غابرة (الحال التركية) وآخرون غيرهم ظنّوا ان الاموال تصنع الادوار وتأتي بالنفوذ والعظمة وتجعل من الفقير موقعا ومساحة ومكانا «غنياً» كما فعلت به ومعه «الميديا» باجناسها والوانها.
الأمور التي تُرى من هنا (ساحات المعارك في سوريا) ليست تلك التي تُرى من هناك (المنتجعات وميكروفونات الكلام).. وهي وحدها التي ستقرر مسار وسيرورة الأزمة، إذا ما أبقت المعارضات السورية (المصطنعة كما يجب التذكير) على عنادها ولم تستجب لكل الدعوات المخلصة التي تنطلق من جهات عديدة، ليس بينها واشنطن وباريس ولندن وبعض العواصم العربية التي تمعن في المكابرة.
من شاهد رئيس الائتلاف أحمد عوينان الجربا، اكتشف حجم الارتباك والهشاشة التي ظهر عليها الرجل امام هذا المحفل الدولي «الهجين» ورأى أن الكلمة التي كُتِبَت له لم تكن سوى شعارات وخطاب تعبوي، أراد الرعاة والممولون ان يصنعوا منه «نداً» للوفد الرسمي، وكانوا يراقبونه بعيون قلقة وإن اظهرت كاميرات الفضائيات ابتسامات الاستخفاف على وجوه بعض الوفود التي تعلم عن يقين ان الرجل وإئتلافه, مجرد دمية يجري تحريكها في الاتجاه الذي يريده المُمولون والمُسلّحون والرُعاة ووجوده في مونترو, تعبير واضح عن أمر العمليات التي اصدره دبلوماسيو الغرب الاستعماري, الذين «هددوا» بوقف الدعم المالي عن إئتلاف الجربا إذا قاطع جنيف 2.. وكان لهم ما ارادوا.
هل يعني أن الماركسي التائب والمتأمرك جورج صبرا وزمرته في مجلس اسطنبول، اكثر استقلالية وبُعداً عن عواصم الغرب الاستعماري وبعض عواصم الاقليم عربية غير عربية؟
بالتأكيد لا, لكن الجزء من «الكعكة» التي عُرض عليهم، كان في نظرهم غير كاف, ما بالك انهم لن يكونوا مُمَثّلين على الشكل الذي يريدونه، وسيجلس من يُنتدب منهم, خلف الجربا الذي هو اقل شأناً، في نظرهم، من أن يكون ممثلاً للثورة السورية (...)..
اين من هنا؟
سيعود المؤتمرون الى بلدانهم وستُبقي اجهزة الاستخبارات على جاهزيتها لمراقبة ما سيحدث غداً في جنيف عندما ينتقل «الطرفان» الرسمي وائتلاف الجربا الى أحد فنادق مدينة المؤتمرات والمفاوضات والصفقات الاشهر في اوروبا بل في العالم, وعندها ربما يكتشف الجربا، ومَن معه ان الطريق الى انهاء معاناة السوريين ووقف حفلة الجنون الدائرة في سوريا لا تكون الا بالتفاوض حيث انه لا يملك من الامكانات والقدرات ما يحقق اوهامه (باستلام السلطة) فيما القرار بأيدي المتطرفين والتكفيريين والمرتزقة.
فهل يستخلص الدروس والعبر أم يستمرئ الاستمرار في لعب دور الدمية ويواصل التنقل بين الفنادق وعبر المطارات, فيما يسقط المزيد من الشهداء وتذهب الدولة والمجتمع السوري الى التفكك والانهيار, على ما يخطط ويعمل الغرب الاستعماري يساعدهم في ذلك اردوغان وبعض العرب؟
(الرأي)