لا نملك إلاّ القلق تجاه قيام بعض الطلاب الساذجين بتقطيع بعض الأشجار في الجامعة الأردنية، التي احتوت على صور وأشكال فنيّة، بدعوى أنّها تماثيل. وهو سلوك يستدعي، بالضرورة، مساءلة الطلاب الذين قاموا به، بمنطق حواري ثقافي، عبر أساتذة متمكّنين في الشريعة الإسلامية!
الإدانة مبرّرة، والشعور بالقلق على ثقافة الجيل الشاب والخوف من رياح التطرف الديني التي تجتاح المنطقة أيضاً أمر يستحق الاهتمام والانتباه، بخاصة مع ما يحدث في سورية، وبروز تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في المشهد الاجتماعي-السياسي السوري، وما يحمله ذلك التنظيم من فكر ديني متشدد وسلوك متطرف، عانى منه المجتمع السوري أولاً وأخيراً، بينما استفاد منه النظام!
الإدانة لما حدث في الجامعة الأردنية، وما تقوم به "داعش"، مع الفارق الهائل بين الأمرين، هو موقف أخلاقي وثقافي، يتأسس على قيم التنوير والحرية والجمال والخشية على اختطاف روح المجتمعات العربية؛ يمكن أن نفهم انسجامه وتناغمه مع أفكار كثير من الأصدقاء!
لكن أليست مفارقة أخلاقية سافرة ومؤلمة، فعلاً، أن ينزف حبر البعض وتذوب ألسنتهم حزناً وألماً على حادثة قطع الأشجار وما تقوم به "داعش"، بينما هم في الوقت نفسه يؤيّدون النظام السوري بكل جرائمه ومجازره؟!
أليست مفارقة مخجلة وفاضحة أن يتجاهل أصدقاؤنا خمسين ألفاً من الصور التي تمّ الكشف عنها في اليوم نفسه لحادثة الجامعة الأردنية، عبر منشقّ عن الشرطة السورية؛ وهي صور تعود لـ11 ألف جثّة معتقل سوري، قُتلوا بعد أن ذاقوا ألوان التعذيب التي لا تخطر على بشر، خلال أشهر طويلة؟!
أين هذه الروح الجمالية الوثّابة، وأين هي الإنسانية التي يقطر بها أصحابنا وهم يشاهدون إحدى أبشع جرائم البشرية والإنسانية على مرّ التاريخ؟! صور لهياكل عظمية، تكسوها آثار الجوع والتجويع والتعذيب البشع الذي لا يخطر على بالكم؛ بينما هم يحزنون، كما نحزن ونألم، على صور لبعض المجرمين المرضى من "داعش"، يقتلون الناس ويقطعون الرؤوس، ويأكلون الأكباد!
شهادة الشرطي المنشق تكشف لنا أنّ هذه الجثث كانت تُرمى في المستشفى العسكري، بعدما تموت، أو يرحمها الله بالوفاة خلاصاً من ذلك "العذاب المستحيل إنسانياً"، فيتم ترميز الجثث بالأرقام، وتكدّس، قبل أن تدفن! تصوّروا، 11 ألف إنسان تحوّلوا إلى أرقام، بعدما عُذّبوا وقتلوا!
أين ذهبت ضمائرنا جميعاً أمام هذا الواقع المسموم؟! وبعد ذلك يسألونك: كيف ظهرت داعش؟! ومن وراءها؟! وماذا كنّا نتوقع من مجتمعات تمّ تعذيبها وتحطيمها وتكسيرها بهذه الصورة، وبتواطؤ عالمي يكشف زيف السياسات الغربية، وبمواقف عربية متذبذبة منافقة، تسعى إلى مصالحها فقط، لا مصالح وأمن ومصير المجتمع السوري نفسه؟!
ما كانت "داعش" لتظهر ولا لتنمو لو لم يكن هنالك "مدعوشون"! والتفريق مسألة حاسمة أخلاقياً، بين الضحية والجلاّد. فـ"داعش" هي إنتاج النظام السوري ومخلوقه السياسي، وما الصدام الذي دخلت فيه اليوم مع قوى المعارضة المسلّحة المختلفة، إلا تأكيد واضح وصريح بأنّها تمثّل تحدياً وتهديداً للمجتمع السوري وقيم الثورة ونفسها، وتخدم النظام الدموي لا غير!
في الحدّ الأدنى، ما نتوقعه أن يظهر شيء قليل من هذا الحسّ الجمالي والإنساني ضد "داعش" وقطع الأشجار، لدى أصدقائنا المتعاطفين مع النظام السوري، وهم يشاهدون صور الضحايا والقتلى والمعذّبين بعشرات الآلاف، والمشرّدين بالملايين، وليبكوا وليتباكوا بعد ذلك كما يريدون على ثقافتنا وإنسانيتنا وأحوال مجتمعاتنا!
(الغد)