بين مؤيدين.. وجموع من المعارضين، أعلنت الحكومة أنها بصدد "تفعيل وتنفيذ" قانون الصحة العامة بحذافيره، مرتئية أن ذلك لا يتم أبداً ألاَّ عبر بوابة المقاهي التي تقدم الأراجيل والتي "آن أوان إغلاقها".
نفهم القرار ونقدر لوزير الصحة أنه ذكَر أخيراً مؤسسات الدولة بضرورة التقيد بمقتضيات الصحة العامة وقانونها، لكننا لا نفهم حجم الشيزوفرينيا التي تنضوي عليها القرارات المفاجئة للحكومة، والتي تعكس تخبطاً وارتباكاً في الأولويات أو على الأقل في المعايير المزدوجة التي تتعامل بها مؤسسات الدولة مع قضايا المواطن بدءًا من صحته وحتى مرضه!!
تذكرون أن أحد وزراء البلديات حين أتيح له الحديث في الإعلام عن مهام وزارته، إنه قال: "وزارتنا مسؤولة عن المواطن منذ ولادته حيث تؤمن له البيئة السليمة، وحتى مماته حين توفر له القبر الصالح".
هكذا هي الحكاية إذن، وإذا كانت صحة وسلامة ومعنويات المواطن على تلك الدرجة المتقدمة من الأهمية لدى صانع القرار.. فلم كل هذا التجاهل المتعمد تجاه مطالبه بإجراء مراجعة شاملة وايجاد آليات ناجعة للرقابة والتعامل مع من يتاجرون بقوت الناس، فيرفعون الأسعار كيفما اتفق وعلى مرأى من الحكومة دون رادع، ومع من يعتدي على حقه في السير بكرامة على رصيف أو شارع، ومع من (يوسط) أقاربه ومحاسيبه لتعيين من لا يستحق ويتغول على دوره وفرصته ورقمه في طابور الانتظار الطويل.
الصحة العامة.. نعم، ولكن أينها في المؤسسات الحكومية التي أولى أن يُفَعَّل فيها القانون، في مجلس الأمة والرئاسة، في المستشفيات الحكومية والدوائر، ومؤسسات النقل العام وعند أطباء القلب والشرايين وفي المطاعم والمولات.؟
قرار حكيم أو لعله (تَذكِرة) من وزير نحترم رؤيته وبعد نظره، لكننا نستغرب أن يصار إلى تنفيذه هكذا من قبل الأمانة دونما العودة إلى مجموعة من القوانين الناظمة لبيع السجائر والكحول لمن هم دون الثامنة عشرة.. ومنع دخولهم المقاهي الشعبية والأندية.. وإلا كيف سنتشبه بدول العالم المتقدم بتطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة ونحن لا نشبههم بشيء، لا في الشفافية ولا النزاهة ولا العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون على الجميع، ولا احترام البيئة ولا ما يحزنون..
فعلنا ما فعلته دول متقدمة وهو أمرٌ محمود لكننا نسينا أن هُوةً سحيقة تفصل بيننا وبين دول العالم التي تعرف أن قيمة القانون تكمن في تطبيقه، وعلى الجميع دون مواربة أو تمييز..
كيف إذن تسكت الدولة عن تراخيص مقاهي (الشيشة) وسط الأحياء وعلى حواف المنازل، ولمَ تغض بصرها عن الصناعات المعادية للبيئة، وعن مخلفات الصناعات الغذائية التي تدفن في أراض زراعية شاسعة جنوب عمان وعن عوادم السيارات، وبالكاد تعلن عن إتلاف بعض المواد الغذائية الفاسدة فيما الكثير منها يمر.. لتختفي رائحة اللحوم الفاسدة وراء الأسماء الكبيرة التي تقف وراءها!!
ان تطبيق قانون الصحة العامة هكذا وفي حقنة واحدة يعد خطأً فادحاً، إذ إن الظاهرة قد استشرت وتحتاج لمعالجة على مراحل ليأتي القانون بأكله، ان التدخين في الاماكن العامة اولوية لا شك، وتمثل تحدياً في مجتمع يعد من المجتمعات المدخنة بشراسة يضاف الى ذلك ظروف اقتصادية ومصاعب حياتية يرى الكثير انها واحدة من اسباب ازدياد المدخنين..
وبالتالي زيادة اعداد المصابين بأمراض التدخين لا سيما المدخنين السلبيين، لكنها ليست ابداً على قمة الاولويات في ظل ازدواجية الشخصية المصابة بها الحكومة والتي ما فتأت تصرح أن شفافية التعيينات في المقدمة.أليس التصريح الاخير يدفعنا مرغمين لتدخين أرجيلة تفاحتين..؟!
(الغد)