الدولة الأردنية التي نشأت مع ظهور إمارة شرق الأردن قامت على أسس وأركان أهمها العشائر التي مثلت البنية التحتية الاجتماعية والسياسية والأمنية للإمارة الناشئة، وبقي هذا الركن الأصيل حاضراً في مسيرة الدولة حتى اليوم.
وخلال تلك العقود كانت العشائر تمارس دوراً هاماً في تشكيل هوية الدولة وخطابها وحتى تشريعاتها حيث كان قانون العشائر صاحب دور كبير قي إدارة المشكلات والعلاقات الاجتماعية، وما زال حتى اليوم يظهر في العديد من القضايا.
ولم يمنع وجود العشائر الدولة من الذهاب نحو التعليم والتطوير والمدينة بل كانت العشائر جزءاً فاعلاً في تحديث الدولة من خلال أبنائها الذين حملوا أعلى الشهادات وتولوا كل المواقع، وبقيت العشيرة مرجعاً قيمياً وأخلاقياً وحاضنة لفكر الدولة، كما بقيت الإطار الأكثر تماسكاً وبخاصة في ظل ضعف العمل الحزبي، وبقيت الأكثر تأثيراً في العمليات السياسية مثل الانتخابات النيابية والبلدية.
وربما يرى البعض أن العشائرية كانت من عوامل ضعف العمل الحزبي، لكنني ممن يؤمنون أن العشائر كانت ذات موقف سياسي من الأحزاب المعارضة وبخاصة تلك التي دخلت عمليات صدام وتناقض سياسي مع الدولة، مع ملاحظة أن كل الأحزاب من يسارها إلى يمينها دخلت إلى العشائر واستقطبت عناصر كانوا قيادات ورموزاً في تلك الأحزاب، ولكن هذا لم يغير من بنية العشائر وانحيازاتها السياسية.
لكن البعض وقف موقفاً سلبياً من العشائر لأنها كانت من حصون الولاء ومواجهة التحديات والمحطات الصعبة التي مرت بها الدولة، وظهر الموقف السلبي بأشكال منها الربط بين العشائرية والممارسات السلبية، أو الربط بين العشائرية وضعف الإصلاح، أو رسم صورة سلبية للعشائر باعتبارها تذهب بالدولة نحو الخلف في أهم المجالات، وكان الهدف إضعاف هذه البنية التي رأى فيها البعض عامل إعاقة لأهدافه السياسية وغير السياسية.
اليوم أصبح هناك دور جديد وتضاريس جديدة للعشائر في الأردن، لكن هذا لم يقلل من أهميتها، لكنه يغير بعض المعطيات، فالعشائر ما زالت بنى اجتماعية وذات دور وطني مفصلي وليس فقط دوراً سياسياً، والعشائر اليوم ببنيتها الداخلية لم تعد كما كان الحال قبل ذلك، فمركز القيادة في كل عشيرة تغير، والتعليم والانتشار لأبناء كل عشيرة على كامل جغرافيا الأردن والتطور التكنولوجي وتغير أساليب التوجيه وتشكيل القناعات تغيرت وغيرت، كما أن الانتخابات النيابية المتتالية أحدثت تغيراً على علاقات أبناء العشيرة، كما جعلت مراكز قيادة كل عشيرة تتراوح بين زعامة عشائرية والموقع الوظيفي الرفيع الذي يعطي لصاحبه حضوراً ونفوذاً وحضور أصحاب المال والعلاقات، وكل هذا ينعكس بشكل مباشر على أداء العشائر.
وعلى ضوء كل التطورات بما في ذلك ما تعيشه دول المنطقة من أحداث فإن العشيرة تبقى، ركناً أساسياً في الدولة، وهي ليست بديلاً عن الأحزاب، لكن العشائر تحتاج إلى إعادة النظر في تفاصيل علاقاتها الداخلية، كما تحتاج إلى أطر إدارية مختلفة في ظل زيادة أعداد أبنائها وتنوع الاختصاصات والاهتمامات والآراء، فلم يعد شخصٌ واحد قادر على اتخاذ قرار يمثل الجميع، والمهم أيضاً تطوير الأدوار لخدمة الدولة وحمايتها ومواجهة التحديات التي تواجهنا على صعيد الهوية والحفاظ على استقرار الدولة وأمنها.
أما الدولة فإنها مطالبة بالتفكير العميق في آليات إدارة العلاقة مع العشائر، فما كان في السابق ربما لم يعد كله صالحاً لإدارة العلاقة مع هذه المؤسسة الاجتماعية الوطنية الأهم.
(الرأي)