النائب الودعان يكتب : دور العشائر في محاربة العنف المجتمعي
21-01-2014 12:07 AM
النائب د . هايل ودعان الدعجة
تتعرض المنظومة القيمية والسلوكية في الاردن منذ فترة ليست بالقصيرة لاعتداءات واختراقات غير معهودة وغير مسبوقة ، بفعل تصرفات ومسلكيات مجتمعية سلبية اخذ يمارسها البعض ، بشكل ادى الى حدوث حالة من الحيرة والذهول جراء عدم استيعاب ما يجري من تجاوزات سلوكية لم تعد مقتصرة على قطاع او فئة او شريحة اجتماعية بعينها . حتى انها شملت الفئات المتعلمة داخل اسوار الصروح والمؤسسات التعليمية خاصة الجامعات ، والتي يعول عليها كثيرا في صقل شخصية الطالب سلوكيا ومعرفيا ليكون عنصرا فاعلا ومؤثرا في المجتمع . الامر الذي اربك المشهد المجتمعي وجعله اسير الكثير من التساؤلات والاستفسارات التي تبحث عن اجابة في ظل هذا التدهور الخطير الذي ضرب المنظومة القيمية والاخلاقية في بلدنا ، بما هي عادات وتقاليد واعراف ومعايير اخلاقية ايجابية ، وسمت الشخصية الاردنية بالمزايا والصفات الحميدة واصبحت جزءا من مكوناتها وعناصرها . واذا ما ذكر المواطن الاردني ذكرت معه هذه الخصال الطيبة التي اصبحت تدل عليه وعلى هويته الاخلاقية التي تؤشر على تمتعه بخصال رفيعة باتت تميزه عن غيره ، كالنخوة والشهامة والمروءة والكرامة وعزة النفس وغيرها ، وبدا ان الموروث القيمي الذي يعتد به اشبه ما يكون برسالة وطنية تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل . والكل مجمع على احترامها والالتزام بتعاليمها بشكل اسهم في تماسك جبهتنا الداخلية وتقوية نسيجنا الاجتماعي .
وبدا ان العلاقات والروابط الاجتماعية بين افراد المجتمع الاردني هي الاساس المتين الذي قام عليه الكيان الاردني ، بصورة اعطت قيمة ومعنى ودلالة لمفهوم الفرد للعائلة او للعشيرة التي ينتمي اليها ، ويحرص على اسمها وسمعتها ويعتد بانتسابه اليها ويشعر بالاعتزاز لكونه احد افرادها ، اذ باتت له مرجعية مجتمعية توفر له المكانة الاجتماعية وتمنحه قيمة معنوية في المجتمع ، ما يفرض عليه احترام طقوسها وعاداتها وتقاليدها والتعاطي معها كقواعد وضوابط سلوكية واخلاقية اذا ما اراد الاحتفاظ بهذه المكانة . الامر الذي يؤخذ بالاعتبار حتى عند التفكير بالزواج والمصاهرة لاختيار شريك او شريكة الحياة ، بحيث يكون او تكون من عائلة او عشيرة معروفة ، ليضمن كلا الزوجين حياة زوجية ناجحة .
ما يؤكد القيمة المعنوية للعائلة او العشيرة في الاردن بوصفها المجال او الحيز المجتمعي الذي لا يجوز للفرد المنتمي لها تجاوزه او التمرد عليه او عدم الالتزام بقواعده ومعاييره كأن يرتكب مخالفات مسلكية واخلاقية . ما يحتم عليه الحفاظ على سمعتها وتاريخها وسيرتها الطيبة وان لا يعرض هذه الصورة الاجتماعية المشرقة للتشويه . ما يجعل من العشيرة عامل ردع لابنائها من الانحراف والخروج على عاداتها وتقاليدها الاصيلة . ما يقودنا الى الى التذكير او الحديث عن احد افرازات او مخرجات هذه المنظومة الاجتماعية ممثلة بمؤسسة اصلاح ذات البين ، التي تجسد مؤسسة وطنية تحرص على الحفاظ على المنظومة القيمية والاخلاقية في بلدنا من محبة ومودة وتسامح واصلاح من خلال دورها في رأب الصدع وحقن الدماء وفض النزاعات والخلافات الاجتماعية التي تحدث بين الناس حفاظا على تماسك النسيج الاجتماعي وضمان استمرار العلاقات الطيبة بين ابناء الاسرة الاردنية الواحدة ، في اشارة الى اسهامات العشائر الاردنية في الحفاظ على امن الوطن واستقراره من خلال دورها في التعاطي مع الخلافات او المشاكل وهي في مهدها ، وقبل ان تتحول او تصل الى الجهات الامنية والقضائية ، لا بل وبالتنسيق والتعاون مع هذه الجهات الامنية في معظم الحالات لتعطي الفرصة لاهل الخير والاصلاح لمعالجة الامور بالطرق الودية . فقد اشاد جلالة الملك عبد الله الثاني في اكثر من مناسبة ، بدور العشيرة ومكانتها في الحفاظ على قيم التسامح والتكافل ، صونا لاستقرار المنظومة المجتمعية الاردنية ، مؤكدا بانها ركيزة اساسية في بناء المجتمع ، ورديفا وسندا للمؤسسات الرسمية والامنية في الحفاظ على الامن والاستقرار ، وكانت دائما رمزا للانتماء للوطن ولكل القيم النبيلة . وقال: "أنا – عبدالله ابن الحسين – أعتز بالعشائر الأردنية، لأنهم أهلي وعشيرتي الكبيرة .
من هنا تبرز اهمية الحديث عن دور العشيرة في محاربة العنف المجتمعي ، اخذين بعين الاعتبار التركيز على الجانب الوقائي في هذا المجال ، إذ ان الملاحظ ان دور العشيرة في التعاطي مع الاشكاليات المجتمعية ، غالبا ما يأخذ الطابع العلاجي كونه يأتي او يبدأ بعد حصول الاشكالية الاجتماعية . ما يضع العشيرة امام تحدي مواجهة هذه الافة بصورة وقائية من خلال عقد اللقاءات والاجتماعات الدورية بهدف تعزيز العوامل الوقائية عبر الكشف المبكر عن المظاهر السلوكية السلبية وخلق بيئة مجتمعية توعوية والتواصل المستمر بين ابنائها بحضور شيوخها ووجهائها في المضافات والدواوين لتبادل الاراء والتحاور في مختلف الامور والقضايا التي تهم المجتمع والعشيرة ، ما يبقي الفرد تحت تأثير الاجواء السائدة في هذه اللقاءات ، التي تعكس حقيقة المؤسسة العشائرية كحاضنة للقيم النبيلة . اضافة الى ضرورة تواصل الحكام الاداريين وادارات المراكز الامنية ورؤساء الجامعات ومدراء المدارس في المحافظات والالوية ومختلف مناطق المملكة مع وجهاء وشيوخ العشائر ، وتبادل الزيارات واللقاءت بينهم ، لتوطيد العلاقات وتعزيز البيئة التشاركية بين هذه الاطراف في اطار التواصل مع المجتمع المحلي خدمة للصالح العام ، وبما في ذلك معالجة موضوع العنف المجتمعي انطلاقا من المسؤولية المجتمعية التضامنية . مع ضرورة مراعاة اختيار شخصيات عشائرية فاعلة ومؤثرة ولها حضورها في المجالس الاستشارية واللجان المحلية التي يتم تشكيلها ، لتوظيف ذلك في التعاطي مع القضايا الوطنية ، خاصة القضايا المتعلقة بالمجتمع المحلي . ما يقودنا للتحدث عن اهمية اعادة الاهتمام بهذه الشخصيات والرموز العشائرية ، بحيث تجسد مرجعيات عشائرية لها مكانة اجتماعية ويعول عليها في التواصل والاتصال بالمجتمعات المحلية في الامور والمسائل التي تهمها ، وتحديد اولوياتها والوقوف على مطالبها واحتياجاتها الخدمية والتنموية ، ما يجعل منها مرجعيات مؤثرة وذات شأن بين ابناء العشيرة ، الذين سينظرون لها باحترام وتقدير وانها خير من يتكلم باسمها ويعبر عن مصالحها ، الامر الذي سيمنحها القدرة على تفعيل دور العشيرة القيمي والاخلاقي وتوظيفه في الحفاظ على النسيج الاجتماعي .
كذلك فان العشائر الاردنية مطالبة بالعمل على صياغة ميثاق شرف او وثيقة اخلاقية تدعو الى مأسسة دور العشيرة في اطار العمل الجماعي في سبيل المحافظة على قيم التسامح والتكافل والتضامن المجتمعي ، صونا للمنظومة الاخلاقية الاردنية من الاختراقات السلوكية اللامسؤولة ممثلة بالعنف المجتمعي . وان العشائر مطالبة ايضا بعدم الانجرار خلف مرتكبي العنف المجتمعي من ابنائها والدفاع عنهم ومناصرتهم ، ولتترك العدالة تأخذ مجراها في معالجة الامر حسب القوانين والتشريعات والانظمة المعمول بها . وذلك انسجاما مع ما قاله جلالة الملك في حفل تخرج الفوج السادس والعشرين لضباط جامعة مؤتة ، بان ثقافتنا وبنيتنا العشائرية الأصيلة لا تقبل العنف، ونحن كلنا أبناء عشائر من كل المنابت والأصول، سواءً كنا في البادية، أو في القرية، أو المدينة، أو المخيم، وهذا مصدر قوتنا ووحدتنا الوطنية، وأحد أهم أسباب الأمن والاستقرار في مجتمعنا. ولم تكن العشيرة أو العائلة، في أي يوم من الأيام، سبباً للفوضى أو العنف أو الخروج على القانون كما يظن من لا يعرفون المعنى الحقيقي للعشيرة أو طبيعة المجتمع العشائري ..