زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ضعيف الأخيرة وتحديداً تاريخ 14 كانون الثاني الجاري للأردن ومن ثم لسوريا ولبنان والمنطقة لم تكن الأولى لوزير خارجية إيراني لكنها أول زيارة للخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد حسن روحاني، الذي اختط لبلاده سياسة خارجية جديدة مخالفة لنظيره المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، تمتهن فتح الأبواب الإيرانية على مصراعيها أمام أمريكا، وتغازل إسرائيل بعد أن كانت منغلقة لدرجة التحجر والمشاكسة خاصة بكل ما تتعلق ببرنامجها النووي السلمي علناً والعسكري خفية، وهو الذي لم تسمح به إسرائيل قبل أمريكا وقبل هيئة الطاقة الدولية ذاتها، وهي الآن أي إيران بتقربها من الأردن وتكرار هذه التجربة إنما تحاول أن تغوص أكثر وتمزج نفسها في الخط السياسي الأمريكي المتصالح حتى مع إسرائيل، وتريد أن تقول للشرق بأنه لا يجوز مواصلة رفض إيران ما دامت انسجمت مع أمريكاً، ومع الدول التي تدور في فلكها، بمعنى أنها أصبحت (منا وفينا) أو كما تقول إحدى اللهجات الأردنية (مِننِينّا).
إيران في الأردن لم ولا تتحرك في داخله ولا حوله من فراغ، وهي مستعدة لدعم حراكها السياسي الجديد المتجدد ببراشوت اقتصادي بترولي عمره الزمني 30 عاماً، قادمة ومجاناً، وحتى في توجهها هذا إنما هي تماحك أكبر دول الجزيرة العربية البترولية مثل السعودية التي تتقاطع معها حول سوريا النظام والمعارضة، وفي اللونين الديني الشيعي والسني، وعلى زعامة العالم الإسلامي التي هي للرياض وليست لطهران بكل الأحوال بحكم تمركز المقدسات الإسلامية الأكثر أهمية مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين، وقبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل لإيران دينياً زعامة خاصة بها مركزمها قم، وعنوان الإمام الحسين بن علي حفيد الرسول (ص) المولود في المدينة والمتوفي في كربلاء، لكننا في الأردن نحتكم لآل البيت الهاشميين أحفاد الرسول (ص) من بناته وأبناء ولا تقسّم دين الله الواحد إلى ألوان وأصناف، وإيران راغبة بفتح طريق لأفواج الزيارات الدينية تجاه قبور الصحابة عامر بن الجراح، وعامر بن أبي وقاص، وضرار بن الأزور، والحارب بن عمير الأزدي، وفروه بن عمرو الجذامي، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن أبي رواحه، وشهداء معركة مؤتة، والصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، والصاحبي عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن علي بن الحسين حفيد النبي محمد (ص) وغيرهم.
إيران تزور الأردن بهدف تنشيط العلاقات الدبلوماسية ورفعها لمستوى سفير، حيث يوجد ويعمل في عمان سفير لإيران ولا يوجد سفير أردني في طهران، وهو الذي سيتم اعتماده قريباً بعد امتزاج إيران بالأردن الدولة المستضيفة له، وهي تستطيع أن تعزز من القدرات الدفاعية الأردنية لو احتاج ذلك، وهي تهدف بنفس الوقت لإحكام الطوق على إسرائيل وأن تفرض نفسها على القرار الشرق أوسطي بقوة تواجد أقدامها في كل المنطقة المحيطة بها، خاصة في الشأن السوري وتطوراته باتجاه جنيف (2) في مدينة مونتروا السويسرية، فهي داعمة لنظام الرئيس بشار الأسد، من زاوية دعمها لخيار المقاومة، وهي داعمة لحزب الله وجناحه العسكري المقاوم، وهي داعمة لحماس فلسطين والعراق، ولنظامي العراق وسوريا، ولها أخطابوط في الجزيرة العربية واليمن، والتيار الزيدي خير شاهد، والنسب المئوية للشيعة متباينة ونظام الملالي عندهم هو من تبنى تصدير الثورة الإيرانية، فهل تراجع حقاً حسن روحاني عن ذلك التوجه، وعن نبذ الطائفية أيضاً؟ إنهم في البحرين يشكلون (60%) وفي الكويت (30%) وفي السعودية (15%) وفي اليمن (30) وفي عمان (5%) وفي العراق (53%) وفي سورية (2%) وفي مصر (1%)، وعلاقة فسيفسائية بين إيران وتنظيم القاعدة وهي مركبة مزدوجة رغم اختلاهما الأيديولوجي، ولقد اشتركا في الظاهر من حيث الشعارات في عدائهما لأمريكا، لكن أحجار شطرنج سياسية اليوم قلبت العدو إلى صديق، والصديق إلى عدو، والمعمول به عند البعض أصبح يتركز حول تسمين تنظيم القاعدة الإرهابي وحرقه في أفغانستان والعراق وسوريا وفي غير مكان وهو أمر غير مأسوف عليه بالطبع وبكل تأكيد.
يقول الخبير النووي سكوت ريتر في كتابه (استهداف إيران – ص 264 بأن استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية لعام 2006 ملتزمة بإبقاء أكثر الأسلحة في العالم خطورة بعيدة عن أيدي أكثر الناس خطورة في العالم، فهي ستتغير استراتيجية أمريكا مع تغير استراتيجية إيران الخارجية، وهل أصبحت إيران دولة مسالمة فعلاً لا تبحث عن السلاح النووي المرعب لإسرائيل وللمنطقة؟ هل ستتخلى إيران عن جزر الإمارات وتدخل في صلح دائم مع العرب، وهل سترفع يدها عن النظامين العراقي والسوري وتفصل بين السلاح، والهيمنة السياسية على بلاد الشرق العربي؟.
التقارير الغربية اللوجستية الدقيقة والموضوعية أجابت على سؤال طموح إيران النووي العسكري بأنه توقف عام (2003) وبأنها جاهزة للسماح بالتفتيش النووي الدولي بزيارة مختبراتها النووية في أي وقت وبشكل مفاجئ، وبأنها تواصل مشروعها السلمي بالتعاون مع روسيا لأغراض إنتاج الطاقة ويعتبر مفاعل بوشهر عام 2011 أول هذه المحطات، وستبقى إيران بحاجة للمزيد من المكاشفة في هذا المجال لكي ترضى عنها إسرائيل قبل أمريكا والغرب، وفي الموضوع العراقي وبعد أن تنفس العراقيين الصعداء جراء الاجتياح الأمريكي غير المشروع لبلدهم وبالتعاون مع الناتو استلمت إيران العراق على طبق من ذهب محققة ما لم تستطع تحقيقه إبان الحرب معه ولمدة ثماني سنوات، وفي الأفق لا يوجد أي مؤشر عن عزم إيران التخلي عن جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى والصغرى التابعتان لإمارة رأس الخيمة، وأبو موسى التي تتبع الشارقة، علماً بأن الإمارات دولة عربية مستقلة منذ عام (1971) وعضو في الأمم المتحدة في عام الاستقلال ذاته أيضاً.
المسألة الأكثر سخونة في الملف الإيراني المتحرك وسط الشرق الأوسط تبقى السورية الدموية المؤسفة التي التقطت فايروس الإصلاح الإيجابي الحياتي على مستوى الاقتصاد والحرية، عبر مواقع أمواج FaceBook والفضائيات العالمية وسط الربيع العربي الذي هاج وماج منطلقاً من تونس عبر ليبيا عام 2011 ومصر، وقبل ذلك في العراق عام 2003، رغم عدم قناعتي بالنتيجة المرعبة التي أظهرت لنا عدم الاستقرار فيه، وأودت بحياة الرئيس الشهيد المنتخب في حينه صدام حسين، وبكل الأحوال فإن للربيع المعاصر جذور في تاريخ الربيع التاريخي الذي تزامن انطلاقه آنذاك مع الثورة العربية الكبرى عام 1916، مع اختلاف الهدف بكل تأكيد، والذي كان وحدوياً وقتها، لكن المؤامرات ركبت كافة أمواج ثورات العرب وربيعهم، وإيران لم تنحاز عن خط الدفاع عن النظام السوري ودعمه حتى الساعة لأنه شكل ولا زال عمقاً للمقاومة العربية المناهضة لإسرائيل رغم الانتقادات التي توجه إليه من معسكري السلام أو الحياد، لكن هل بإمكاننا أن نلحظ ونشهد تغييراً في الموقف الإيراني تجاه سوريا في قادم الأيام، بعد تغيرها مع أمريكا ودورانها حول المحور الإسرائيل إن جاز التعبير؟ وهل ستوقف دعمها للطابور الخامس الراديكالي المتشدد بقيادة القاعدة المواجهة للمعارضة الوطنية السورية المستقلة وجيشها الحر والمنافسة لها على السلطة في دمشق؟ وهل ستبقى تختلف مع السعودية على ورقة المعارضة المطالبة برحيل الأسد ونظامه كشرط أساسي لحضور جنيف (2) المرتكز على جنيف (1) المطالب بنقل السلطة السورية سلماً؟ كيف بالإمكان إخراج مؤتمر السلام السويسري القادم حول سوريا بنجاح ولإنهاء الأزمة السورية المرعبة جذرياً؟ أعتقد بأنه إذا ما اتفقت الأطراف السورية السياسية والدولية المتصادمة على التخلص من فلول القاعدة التي كشفت عن أنيابها وبدأت تعمل ضد السلطة والمعارضة معاً، وإذا ما تم تنظيم استفتاء شعبي وموضوعي ومحايد ونزيه حول مستقبل سوريا السياسي، فإن أموراً كثيرة إيجابية ستظهر لصالح استقرار الدولة السورية والتنمية الشاملة فيها بدلاً من الخراب والدمار والقتل والتشريد، وترحيل (الربيع العربي) إلى دول أخرى عربية أو أجنبية.