ما دامت الدولة سخية , فهي قادرة على فرض هيبتها وتكريس سلطة القانون .
هذه إذن هي الصورة النمطية التي يرسمها بعض المحللين للعلاقة المفترضة بين الدولة والمواطن على أساس الطاعة في مقابل قطعة الجبن !.
تقترح هذه النظرية دورا عميقا للدولة في الاقتصاد , كوسيلة لفرض هيبة القانون التي تتداعى كلما انفرط عقد في سلسلة الإعالة على فرض أن ذلك صحيح .
«الحبل السري» لا زال متينا فسخاء الدولة «الراعية» يزداد ولا ينقص وكلما جفت مواردها الذاتية كانت تعوض بالدين وباستجداء المساعدات , فانظر كيف تآكلت الرواتب ونفقات العلاج المميز والبعثات المجانية والإيرادات والمساعدات , ومن أين تمول الخدمات والمرافق , وكيف أدت الاستجابة على عجل للمطالب الشعبية الى تكديس خدمات كمية في مواقع لا تحتاجها .
إن نظرة سريعة الى موازنة تتضخم سنة بعد أخرى تظهر لنا إلى أي مدى تذهب الدولة بسخائها فهي تستحوذ على أكثر من 50% من الاقتصاد محسوبا على ناتج محلي يناهز 22 مليار دولار , وهي ما تزال المعيل الأول والوحيد لغالبية القوى العاملة ( توفر وظائف لنحو 340 ألف موظف عامل يعيلون حوالي 2ر1 مليون فرد، ولنحو 225 ألف متقاعد يعيلون 900 ألف فرد ) وتدعم تعليم (6ر1 ) مليون طالب وطالبة في مدارسها وتعالج بأسعار مدعومة آلافاً أخرين , وتطرح العطاءات الكبرى في المياه والطاقة والطرق وتمتلك آلاف المباني والأراضي , وتوفر مقاعد مجانية ل 80% من طلبة الجامعات ومثلها آلاف البعثات إلى الخارج .
كل هذا السخاء لم ينفع في تقوية العلاقة بين الدولة والمواطن , فمن طرفها تفاجأ الدولة صباح كل يوم بخرق سلطة القانون عنوان هيبتها , ومن جهته يعبر المواطن عن سخطه من تردي العلاقة بعدم الامتثال للقانون كوسيلة للنيل من هيبتها .
على فرض أن في التحولات الاقتصادية اخلالاً في التزامات الإعالة , يجوز لنا أن نصف استمرار الرعاية بنحو مشوه مقابل الامتثال للقانون بالرشوة .
في «اعتقادي» أن تعميق البيروقراطية والإخفاق في الوصول بالإصلاحات الاقتصادية إلى النضوج ومقاومة وتكييف الإصلاح السياسي لاعتبارات الرعاية إياها هو ما أفشل وضع العلاقة في قالب الدولة المدنية حيث تحترم الالتزامات المتبادلة .
في الدول المتقدمة , دافع الضريبة يلزم ناصية القانون ويصون مرافق الدولة وخدماتها لأنها مولت بماله , بالمقابل ينال منها من يعتقد أنها جوائز ترضيه منحتها له دولة الرعاية مقابل الولاء كما يحدث في الدول النامية .
(الرأي)