ثمة ملفات تشغل الأردن الرسمي، وتحظى باهتمام كبير؛ لحساسيتها، وتأثيراتها العميقة على الوضع الداخلي.
هذه الملفات تتراوح بين الإقليمي والمحلي. أبرزها الأوضاع على الواجهتين الشمالية والشرقية.
ففي الشمال، يبدو الوضع في سورية شديد الحساسية، فيما حالة الاقتتال السائدة تلقي بظلالها على الداخل.
نتائج الحسم في الأزمة السورية، وإن كان لا يبدو قريب المدى، إلا أنها تشغل الأردن أيا كانت النتيجة؛ بقاء الأسد ونظامه، أو ما ليس أفضل حالا بوصول "داعش" وأخواتها إلى السلطة.
يقابل هذا التعقيد تواجد الجماعات المتطرفة نفسها على الحدود العراقية، ما يضع الأردن في وضع خطر، يلزم التحضير والاستعداد له باعتباره مصدر تهديد لا يُتوقع أن ينتهي في المدى المنظور. وهذا ما دفع الأردن إلى الإعلان عن استعداده تدريب قوات عراقية لمجابهة تلك الجماعات.
وربما ينشغل الأردن بإعادة ترتيب أوراقه في الإقليم تبعا لمصالحه وتطلعاته، والتي قد تتناقض مع أهداف حلفاء حاليين معتدلين، يرى الأردن أن برامجهم لا تراعي مصالحه، ولا تقدم له الدعم الكافي المطلوب لمواجهة التحديات الماثلة.
محليا، يبدو الملف الاقتصادي، بكل تشعباته، هو الأثقل، خصوصا ما يتعلق بقطاع الطاقة وارتفاع كلفه على الموازنة العامة بعجزها ودينها. الأمر الذي يدفع الأردن إلى التفكير في بدائل من قبيل الطاقة النووية السلمية، والتي تلقى رفضا من قبل مؤسسات مجتمع مدني وأهلي.
بيد أن هذا الخيار يبقى مفتوحا، واستراتيجيا؛ لدوره في توفير مصدر محلي للطاقة، إلى جانب مصادر أخرى، مثل الطاقة المتجددة الشمسية والرياح، والغاز الرخيص، والصخر الزيتي.
إذ يبقى هذا الملف مفتوحا ومتداولاً إلى حين النجاح في خلق موارد محلية تخفف الكلف المالية والسياسية على البلد، وتتيح التفكير جديا في البدء بالاعتماد على الذات، مع ما لذلك من انعكاس إيجابي على ماهية القرارات السياسية والاقتصادية.
للموضوع الاقتصادي تفرعات كثيرة، تبدو حاضرة ضمن قائمة التحديات؛ منها فجوة التنمية التي تتسع، ويزداد معها الشعور بالتهميش وغياب تكافؤ الفرص، وبالتالي عدم الرضا، في الأطراف والمحافظات.
تخفيف المشكلة السابقة يفتح الباب للحديث حول مسألة مهمة، تشغل الأردن، تتعلق بفتح أبواب جديدة للاستثمار، ومنها مثلا البوابة الصينية الكبيرة، التي تحمل آمالا عريضة بتنمية الاستثمارات خصوصا الضخمة منها.
ولا يخفى أن ملف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية يحجز حيزا واسعا في اهتمامات الأردن، لما له من تداخلات داخلية تتعلق بجزء من المجتمع الأردني، هم الأردنيون من أصل فلسطيني وحقوقهم في العودة والتعويض، وسط هواجس شعبية بفرض خيارات على المملكة يسعى لها الجانب الإسرائيلي على الأقل.
السيناريوهات المتعلقة بنهايات عملية التفاوض متعددة؛ أبرزها وأقواها فرصا احتمال انتهائها من دون نتائج تذكر، تماما كما حدث في مبادرات كثيرة تمت في الماضي من قبل ساسة أميركيين، ظنوا أن بإمكانهم تسجيل منجز تاريخي بأسمائهم، لدورهم في إنهاء صراع طويل في منطقة استراتيجية.
لقضية مفاوضات السلام بالنسبة للأردن أبعاد مختلفة كونها توقظ هواجس أخرى لدى المجتمع، خصوصا حينما يردد البعض فكرة قديمة جديدة ترى أن الحل سيكون على حساب الأردن، ووصولاً إلى سيناريو إقامة دولة فلسطينية تعلن لساعات، يتم بعدها إعلان الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين الشقيقة. وليس آخر السيناريوهات إقامة دولة فلسطينية مقطعة الأوصال، ليست أكثر من "كانتونات" تربط بينها طرق.
الأردن في هذا التوقيت ربما يحتاج إلى إعادة التموضع، وترتيب الأولويات، بما يحمي أمنه واستقراره، ويجعله جاهزا لمجابهة كل ما سبق. وهذا بالضرورة يحتاج إلى تمتين الجبهة الداخلية؛ فليس هناك من هو أحرص على الأردن من أبنائه، والسنوات الثلاث الماضية أكبر دليل على ذلك.
(الغد)