إيران تقتات من النزاع الإسلامي الليبرالي
حمد الماجد
19-01-2014 03:01 PM
الزواج الكاثوليكي بين نظام إيران ونظام بشار، على الرغم من «إسلامية» الأول و«علمانية» الثاني، محطة توقفت عندها على عجل في مقالي السابق، ولا بد أن نتوقف عندها على مهل هذه المرة، ليس رغبة في استقصاء أسبابه وأسراره، بل لإلقاء الضوء على المعسكر السني المتفكك، الذي يفوق هذا التحالف في العدد والعدة والقدرة الاقتصادية وخسر معه كل النزالات السياسية والعسكرية والآيديولوجية.
إن التحالف بين نظام بشار ونظام إيران يجمع بين المتناقضات الحزبية والفكرية والمذهبية والعرقية، فنظام بشار الذي ينازل الإسلاميين في بلاده في معركة أزلية يرى «إسلامية» نظام إيران على قلبه أشهى من الماء البارد في يوم ظامئ، ونظام إيران الذي لم يحتمل إصلاحيي بلاده يرى في علمانية نظام بشار فاكهة سياسية لذيذة، المصير المشترك والهم الوجودي ذوب الفوارق الكبيرة بينهما، ثم انتقل للمعسكر السني الكبير ستجده متنافرا متنازعا مضطربا على الرغم من أنه هو الآخر يتعرض لغزو إيراني سياسي وعسكري ومذهبي لم يكن كثير منا يصدقه، حتى أفاق ورأى العراق وسوريا يتجرعهما نظام إيران سائغتين شهيتين، ويرى جيشا محترفا في جنوب لبنان يفوق عددا وعدة الجيش اللبناني، يصول في لبنان ويجول ويغتال، وحتى رأوا بيارق الحوثيين السوداء هذه الأيام وهي على مشارف العاصمة صنعاء، وحتى شاهدوا أن تشييع مصر ودول أفريقيا السمراء ليست مزحة.
في عالمنا العربي حرب استنزاف شرسة بين التيارين العلماني والإسلامي، بين الحكومات وإسلامييها، وبين الأحزاب الإسلامية والليبرالية بعضهم البعض وصل إلى حد الضرب تحت الحزام، والساحة المصرية هذه الأيام مثال صارخ على هذه الحرب العدمية التي أهلكت أخضر مصر ويابسها من دون أن يجتمع القوم على كلمة سواء، مصر التي ينتمي مسلموها في الجملة إلى دين واحد وطائفة عقائدية واحدة ومذهب فقهي واحد، ومع ذلك صار كل طرف يحاول أن يخرج خصمه باسم الإسلام من دائرة الإسلام، ففي المعسكر الإسلامي اعتبر بعض الإسلاميين أن من يخاصمهم فهو يخاصم الدين ومن يقف ضد طموحهم السياسي فهو بالضرورة يقف ضد الدين، وبعض الأطراف الليبرالية يرى الإسلاميين خوارج وورما سرطانيا يجب استئصاله من الجسد السياسي المصري، بل ومن الجسد العربي والإسلامي، وأمسى كل طرف يرمي الآخر بالارتهان لأميركا وإسرائيل، والعالم ينظر بازدراء وتهكم إلى هذا النزاع المأسوي المخجل المحبط، ولو دققت في محل النزاع لوجدت بعضها بسبب مواقف سياسية كان المفروض أن يكون الخلاف حولها خلاف تنوع لا خلاف تنافر وتضاد، والأخطر في هذا الشأن أن المعسكرات المنافسة، مثل التحالف الإيراني السوري، تنزع إلى تضييق هوة الخلافات فيما بينه، وعالمنا العربي ينزع إلى توسيع ما ضاق من الخلاف، وتنفير كل حليف محتمل، ولا أدل على ذلك حالة التنفير والاستعداء التي مورست ضد تركيا التي تمثل للعالم العربي امتدادا استراتيجيا مهما خاصة في مواجهة التغول الإيراني الخطير في منطقتنا.
يجب أن يدرك العرب، إسلاميوهم وليبراليوهم، أن الأطياف الفكرية والسياسية مثل التضاريس الجغرافية لا يمكن لأحد مهما تترس بالنفوذ السياسي والقوة والبطش والجيوش الجرارة أن يغير فيها شيئا، وأن شراسة الخصومة بين التيارين والميل للإقصاء يفتحان ثغرة لكل المتربصين بهم جميعا، وما جرى على ساحات سوريا والعراق واليمن عبرة لقوم يعقلون.
(الشرق الأوسط)